قصة المراهقات الثلاث اللاتى غادرن بريطانيا للالتحاق بتنظيم داعش فى سوريا أثارت هناك اهتماما واسعا فى الأوساط السياسية والأمنية. إذ شغل الجميع بدراسة ملابسات سفرهن، والعوامل التى دفعتهن إلى ترك كل عوامل الجذب والإغراء والحياة الرغدة فى لندن، والمغامرة بالذهاب للانخراط مع جماعة تقدم تجربة خطرة بلا مستقبل. الفتيات الثلات تتراوح أعمارهن بين 15 و17 سنة، اثنتان منهما بريطانيتان من أصول آسيوية، هما خديجة سلطانة وشميمة بيحوم. والثالثة تحمل الجنسية الألمانية فى حين ان أصولها إيرانية، اسمها أميرة عباسى. الثلاثة كن يدرسن فى إحدى مدارس شرق لندن «بيثنال جرين أكاديمى»، التى التحق بها عدد غير قليل من بنات المسلمين البريطانيين. وقد أثار انتباه السلطات الأمنية ان إحدى طالبات المدرسة كانت قد التحقت بجماعة «داعش» فى شهر ديسمبر الماضى، الأمر الذى دفع الشرطة إلى استجواب زميلاتها بخصوص الموضوع، وكانت الفتيات الثلاث ضمن من تم استجوابهن. وطبقا للتقارير الصحفية فإن المحققين أو إدارة المدرسة لم يلحظوا فى أحاديثهن أو تصرفاتهن ان لهن علاقة بالتطرف، ولم يخطر على بالهم ان تكون الطالبة التى سبقتهن ربما تكون قد مهدت لهن الطريق للحاق بها. نظرا لوجود جالية إسلامية كبيرة فى بريطانيا (أكثر من ثلاثة ملايين أغلبهم من شبه القارة الهندية) فإن السلطات المعنية وجهت اهتماما خاصا لمراقبة اختراق إعلام داعش وتأثيره المحتمل على شباب المسلمين من أبناء الجالية. وتزايد ذلك الاهتمام حين تبين أن نحو 500 شاب بريطانى التحقوا بتنظيم الدولة الإسلامية فى سوريا والعراق، بينهم 50 امرأة (جريدة الشرق الأوسط نشرت 2/24 أن ثمة تقديرات تشير إلى أن 550 امرأة غربية يعتقد أنهن توجهن إلى سوريا للالتحاق بداعش). الصحف العربية الصادرة فى لندن تحدثت عن برنامج وضعته الحكومة البريطانية لمنع التطرف، أشترك فيه بعض الخبراء مع ممثلى الأجهزة الأمنية. وأشارت إلى أن الراغبين فى الوصول إلى «دولة الخلافة» يتم من خلال سفر الشبان والفتيات لتركيا، ومنها يعبرون الحدود إلى سوريا (الشرق الأوسط 2/24). أما جريدة الحياة فقد قامت بتحليل العوامل التى تجذب المسلمات البريطانيات وتدفعهن للإقدام على تلك المغامرة الخطرة. ومما ذكرته ان تنظيم داعش يقوم من خلال نسوة غربيات التحقن بصفوفه سابقا بحملة تجنيد واسعة النطاق على مواقع التواصل الاجتماعى، حيث تقدم إغراءات عدة للمجندات بعد اقناعهن بأن الهجرة أصبحت فرضا على المسلمات بعد قيام دولة الخلافة. (المناقشة قديمة فى التاريخ الإسلامى وأثيرت بوجه أخص بعد سقوط الأندلس، حيث تعددت الفتاوى التى لا تجيز للمسلمين الاستمرار فى العيش فى بلاد «الكفار»، لأن عقيدتهم فى هذه الحالة تصبح فى خطر). بعد اقناع الفتيات بأن مغادرة الغرب «الكافر» أصبحت واجبا شرعيا ــ هكذا قال التقرير الذى نشرته «الحياة» فى 26/2 ــ ينتقل مروجو أفكار تنظيم الدولة الإسلامية إلى تقديم وعود للمتطوعات بأنهن يستطعن بدء حياة جديدة تماما فى رحاب دولة الخلافة، التى تسعى لإقامة مجتمع إسلامى مثالى. إذ سيكون بوسع الفتاة أن تؤسس أسرة مثالية بعد أن تتزوج مجاهدا. حتى ان وسائل الإعلام البريطانية أطلقت على الفتيات اللاتى يلتحقن بداعش وصف «العرائس الجهاديات». ومن الإغراءات التى تقدم لهن لإقامة الأسر المثالية فإن دولة الخلافة ستكافئهن بتقديم منزل مجانى تتوافر فيه مستلزمات المعيشة، تقديرا للتضحيات التى قدمنها بانتقالهن من بلاد الغرب إلى الدولة الموعودة! الشاهد ان موضوع سفر شباب المسلمين البريطانيين إلى دولة الخلافة تتعامل معه جهات عدة أمنية واجتماعية واكاديمية. فإلى جانب برنامج الحكومة لمكافحة التطرف، فإن بحث ملابساته مستمر فى إطار مركز «ضد التطرف العنيف AVE» فى لندن، كذلك يتابعه «معهد الحوار الاستراتيجى» بالعاصمة البريطانية. من المفارقات انه فى حين تعامل الإعلام البريطانى مع الموضوع بما يستحقه من جدية، فإن جريدة الأهرام نشرت خبر سفر المراهقات الثلاث فى عدد 25/2 تحت العنوان التالى: البريطانيات الثلاث يفتحن ملف «جهاد النكاح» مجددا. وحين قرأت النص المنشور تحت العنوان لم أجد فيه أية إشارة من قريب أو بعيد إلى مسألة جهاد النكاح، وهى الاكذوبة التى أطلقتها المخابرات السورية فى العام الماضى لتشويه سمعة جماعات المقاومة التى انتفضت ضد نظام الرئيس الأسد. ولأجل ذلك فإنها استدعت عدة قرائن ملفقة ومكذوبة أبرزتها المنابر الإعلامية الموالية. حين لم أعثر على أصل لما أشار إليه العنوان، أدركت أن محرر الجريدة تطوع من جانبه وأقحم جهاد النكاح فى الموضوع، مستخدما لغة الصحافة الفضائحية الصفراء، وقد بدت المسافة شاسعة بين مصطلح عرائس الجهاديين الذى استخدمته الصحافة البريطانية. وبين جهاد النكاح الذى أبرزته جريدتنا التى كانت محافظة ورصينة يوما ما. وهو ذات الفرق بين صحافة حريصة على تنوير القارئ بالحقيقة وأخرى تحريضية لا تتردد فى التدليس على القارئ وتضليله لأغراض التعبئة والتسييس. ليس ذلك دفاعا عن سفر الفتيات إلى سوريا والانخداع بداعايات داعش، ولكنه دفاع عن حق القارئ فى التعرف على الحقيقة ودفاع عن الأهرام الذى أعرفه، قبل ان تتعرض فيه المهنة للعبث والتآكل ضمن الانهيار الذى أصاب التقاليد فى الصحافة المصرية. *نقلاً عن "الشروق" المصرية