الرياض- كان لي في أول أسبوع من مارس، شرف المشاركة في مهرجان طيران الإمارات للآداب في دبي والذي تنظمه منذ ثماني سنوات السيدة إيزابيل أبو الهول، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة الإمارات للآداب، والتي استطاعت خلال فترة بسيطة استقطاب أدباء وأديبات من كل أنحاء العالم إلى دبي لتصبح وجهة ثقافية تعادل الأجواء العملية التي تشتهر بها، بل حصل العام الماضي على جائزة أفضل مهرجان للمرة الثانية للتوالي من قبل جوائز فعاليات الشرق الأوسط.
ونظراً لأني لست ذات باع في مجال الأدب فلم أكن على معرفة بتفاصيل هذه الدعوة حتى وصلت بالفعل إلى أرض مدينة المهرجان festival city وبدأت أتلمس الخطى وأستوعب حجم الإقبال على كافة المستويات على هذا المهرجان في صحبة لفيف من المنظمات المدربات وعلى رأسهن العزيزة يارا مرداد، إحدى فتيات السعودية اللاتي كسبتهن دبي عملاً وإنجازاً، في بهو الساحة الرئيسة الذي لا تستطيع التحرك فيه وسط صخب مجموعات الكبار والأطفال من كل الأعمار في صفوف أو في مجموعات يتبعون قائدتهم أو يقفون في صف بانتظار توقيع كتاب من أحد مؤلفيهم المحبوبين، أو طوابير بانتظار قطع تذاكرهم للدخول إلى جلسات محاضرات لأحد الكتّاب أو ورش عمل للكتابة أو صنع أفلام أو قيادة أو سواها. البرنامج حافل بشكل غير تقليدي وغير مألوف لمن اعتاد المؤتمرات العلمية التي تترتب على أساس الجلسات والمحاضرات المتوازية أو المنفردة، لكننا هنا في كثير من المتوازيات لكن في فضاءات مختلفة ومنها ما هو في قاعات محاضرات تتسع لثلاث مئة شخص أو لعشرين شخص وكلها تجد المهتمات والمهتمين بها، وهناك الأمسيات الشعرية والقصصية داخل أروقة المهرجان أو في الصحراء وتحت ضوء القمر ودلال القهوة تدور بين المتحلقين على وجار الحطب. أو في جلسات الإفطار لتقديم كتب متخصصة في هذا المطبخ أو ذاك.
تنتهي المحاضرات لتأخذك المعاونات إلى منطقة توقيع الكتب وتجد اسمك منصوباً وكتابك مرصوداً والطوابير تبدأ تأخذ شكلها بين الطويل والقصير والكاميرات تلتقط لحظات السعادة التي تجلو الوجوه، ما بين كبار وصغار يمسك كل كتاباً في يده/ا ليسلمه للتوقيع ثم للالتهام. ليس المهرجان معرضاً للكتاب قدر ما هو تظاهرة لمن قرأت وقرأ ويرغب في اكتشاف أو لقاء والاستماع إلى من قرأ له أو لها. فضلاً عن أنه يعقد المسابقات التربوية والأدبية للطلبة ولكتاب العالم تركز على فنون الإبداع. وكم حز في نفسي أني لم أكن أدرك كم هي مناسَبة مناسِبة ومفصّلة على أطفالي.
وقد وجدتْ منظمات المهرجان موقعاً لمساهمتي غير الأدبية بل ووجدتُ أحد كتبي في واجهة طاولة عرض WHSmith المتولية نشر وتوزيع كتب كل المشاركات والمشاركين، ودعيت لإلقاء محاضرة ضمن البرنامج التعليمي والموجهة إلى طالبات الجامعة، فقدمت لهن محاضرة حول "كيف نكتب تاريخنا نسوياً". وعلى الرغم من أن ذاك اليوم كان يوافق أول يومي عواصف أبو ظبي ودبي وأمطارها التي علّقت الدراسة اليوم الثاني، إلا أن ذاك اليوم حضر عدد لا بأس به من طالبات زايد اللاتي آمل أن يكون موضوعاً كهذا أضاف لهن شيئاً. لكن اللقاءين الآخرين في اليوم التالي كانا عامّين، أحدهما يتناول المرأة الخليجية وأدوارها والذي تشاركتُ فيه مع الدكتورة رفيعة غباش، والثاني جلسة حوارية بالتشارك مع الدكتورة سعاد العامري، المعمارية والروائية الفلسطينية الاستثنائية، والدكتور شكري المبخوت رئيس جامعة منوبة الحاضر بصفته الأدبية ككاتب رواية الطلياني الفائزة بجائزة البوكر العربية للعام 2015، وكانت الجلسة حول إسكات الماضي في الكتابة، وحفلت بجولة من النقاش والسجال الجميل والمثير لكثير من التأمل.