لا نحتاج إلى تلك الأدبيات العامة شبه المدرسية حول العلاقات التاريخية بين المملكة ومصر، فهي في كل الظروف تعتمد الواقعية والمصالح المشتركة، وزعامة البلدين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، هما امتداد طبيعي لتوازن السياسات العربية، ومثلما كنا أمام حروب وأزمات تجاوزت الخلافات للدفاع عن المصير الواحد، وبمواقف شهدت رؤية الواقع الجديد وجدلياته المعقدة، ففي الداخل العربي حرب مع منظمات إرهابية تكفّر الجميع وتستهدفهم، وفي الخارج استغلت هذه الحوادث في ترجمة عداء جديد لكل الإسلام؛ معتقداً وبشراً وثقافة وتراثاً، وبأنه دين مسدود عن التمازج مع الحضارات الإنسانية أو استيعابها.. في السياسة أيضاً نتباعد ونتقارب مع منظومة الغرب الذي تشكل فيه أمريكا المحور الأساسي وحلفاؤها الأوروبيون، فهم يضعوننا في حقل الألغام منذ الاستيطان الإسرائيلي وإلى التلاعب بمصير أمتنا بإغراقها في ازدواجية التعاملات، فهم يحاربون داعش بمظاهر خادعة، ويسكتون على جرائم أخرى إرهابية من قبل عناصر من السنّة والشيعة معاً، وكذلك القاعدة وغيرها، بينما علاقاتنا مع البلدان المتطورة في آسيا؛ اليابان، الصين وكوريا الجنوبية وغيرها نتبادل المنافع الاقتصادية، دون حساسيات سياسية، وقطعاً خياراتنا في هذه المواقف نحن من يقررها، رغم المشاكل المتفجرة، وهنا يظهر التساؤل، ما هو الدور الذي تؤديه المملكة في وضع عربي وإسلامي متفجر؟.. محور مصر - السعودية ليس مجال شكوك، فهناك مسار واحد، ولا أحد ينكر أنهما ميزان القوة في المنطقة، والملفات المهمة مفتوحة ولم تغلق، فهناك حالة الاضطراب التي تشمل معظم دول المشرق العربي؛ العراق، سورية، اليمن، ومعهم الوجود الإيراني الواضح، والذي يهمه تصدير إرهاب التقاطع المذهبي، وليس بالضرورة الانتصار وإحكام السيطرة على تلك البلدان، وإنما تخريبها وإحاطتها بأزمات متلاحقة تريدها أوراق ضغط على دول عربية أخرى، وهو تصرف قد ينعكس سلباً عليها، لأن موازين القوة لدى الإيرانيين عجزت أن تغطي احتياجات شعبها الذي وجد عبثاً سياسياً وأيدلوجياً في تبذير موارده، وخلق نسب عليا تتصاعد كل يوم تحت خط الفقر، بما في ذلك من يعطي إنذارات لتحرك شعبي قد يعصف بالمؤسسة الحكومية كلها.. وكما سبق فالغرب ليس لديه ما يخسره إذا استمر الوضع في المنطقة على حاله، ولذلك، فإيجاد مناخ لعمل عربي تقوده المملكة ومصر، ودون مؤثرات للدسائس ومحاولة التلاعب بالمشاعر الشعبية، فالمساحة تتسع أن يكونا ضلع الزاوية، فلكل منهما خصائص وطنية، ومصادر قوة، واللحظة الراهنة تدفع بهما لأخذ مسؤولياتهما على نفس القدر الذي خلقته التحديات الراهنة، ومن يقرأ ما يفكر به غيرنا ممن لهم تماس مع أوضاعنا، لا تختفي الصور السلبية عن استهداف المنطقة كلها، ومحاولة نزع أي صفة للدول العربية جمعاء، ولم يكن الهدف مستتراً طيلة الصراعات وتقلبات الظروف القديمة والحديثة، بمعنى استبدال الانقلابات وافتعال الحروب، جاء البديل عنه انتشار الإرهاب، وهي صيغ متطورة للتلاعب بمصائر المواطنين، بصرف النظر عن توجهاتهم، وإنما استغلالها بخلق الأزمات والفوضى الدائمة، ومن ينظر لعلاقات المملكة ومصر، يدرك معنى تلازم واجباتهما وتلاقيهما في مرحلة حساسة على أن يكونا المنقذ في أسوأ أزمة تعيشها المنطقة.. *نقلا عن "الرياض"