الرياض - تنطلق اليوم مفاوضات الحوار اليمني في الكويت بعد هدنة هشّة خلال الأيام القليلة الماضية، حيث كانت اختراقات الحوثيين المتكررة تبعث برسائل سياسية أكثر منها عسكرية على الأرض، ولكن لم تحقق أهدافها إلاّ بمزيد من العبث، وإضاعة الوقت، والاستسلام أمام واقع المقاومة، وقوات التحالف، وهو ما يعني أن الحل السياسي -فوق الطاولة وليس تحتها- لم يعد خياراً، وإنما فرصة أخيرة لإنهاء الأزمة؛ وفق قرار الأمم المتحدة (2216)، والمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، وهو الخيار الذي تمسكت به الحكومة الشرعية في اليمن ولا تزال، مدعوماً من دول الخليج، والجامعة العربية، وأخيراً بيان منظمة التعاون الإسلامي في «قمة إسطنبول».
الحل السياسي في اليمن ليس تراجعاً عن مواقف ثابتة للتأكيد على شرعية الحكم في البلاد، وحفظ اليمن شعباً وأرضاً من أي تدخلات خارجية، والعيش بكرامة وحرية وتنمية، وليس أيضاً عجزاً من قوات التحالف والمقاومة من فرض الواقع الجديد بقوة السلاح، وتحرير ما تبقى من الأراضي اليمنية، وتحديداً العاصمة صنعاء، ولكن الحل السياسي الذي ينشده الجميع وعلى رأسهم المملكة ودول الخليج هو أن يبقى اليمن آمناً مستقراً يحكمه اليمنيون بإرادتهم واستقلالية قرارهم، ومشاركة الجميع في بناء وطن أرهقته الحروب، والطائفية، والانقسامات والصراعات القبلية، حيث لم يعد هناك وقت لاستعراض القوة والنفوذ، ولا مجال لحكم القطب الأوحد، ولا ضرورة لإطالة أمد الحرب أكثر مما يجب؛ فاليمن يجب أن يبقى لليمنيين بلا استثناء، أو محاصصة، أو مليشيات، أو مراهنات خاسرة لاستعادة أمجاد الماضي.
المؤشرات الأولية تقول أن هناك ولادة متعسّرة للحل السياسي بين الحوثيين والحكومة الشرعية، وأن محادثات الحوثيين في الرياض مؤخراً كانت بداية للانفراج، وتسوية الأزمة، ولكن لا يزال هناك بنود عالقة، ومتوجسة، وتحتاج إلى ضامن ليس بضرورة أن يكون محايداً ولكن قادراً على تنفيذ الحل، وأعتقد أن المملكة تحتفظ بهذه المساحة كقائد لقوات التحالف، والحوثيون مقتنعون بذلك رغم الأجندات الإيرانية التي تسبق تواجدهم على طاولة المفاوضات.
مهمة التفاوض السياسي في بلد كاليمن مرهقة، ومكلفة، ومتقلبة، والسبب أن الاحتكام يعود إلى الولاءات الضيقة للأحزاب والأشخاص والإيدولوجيات، وليس إلى الوطن الذي يجب أن يكون للجميع، وينهض من كبوته ليأخذ مكانه اللائق به، ويحترم إرادة شعبه الذي عانى كثيراً في تحقيق أحلامه، ولهذا ستكون مفاوضات الحل النهائي في الكويت مختلفة عن سابقاتها في جنيف؛ حيث سيكون كل طرف متجاوزاً ما آلت إليه الحرب، ومتفهماً أن الفرصة لن تعود مجدداً على الطاولة، ومدركاً أن أزمة اليمن يجب أن تنتهي مهما كانت العوائق، وأن فشل المفاوضات يعني الانتقال عنوة إلى الحل العسكري، وستكون صنعاء هذه المرة على موعد مع التحرير من قوات التحالف والمقاومة حتى لو كان الثمن باهضاً.
الحوثيون عليهم أن يدركوا أيضاً نهايتهم كشركاء سياسيين لو فشلت المفاوضات، وأن يستوعبوا أن إعادة الأمل بعد شهر من العاصفة كانت تمهيداً لمرحلة جديدة من العمل السياسي وليس العسكري لتنفيذ القرار (2216)، وأن الأمل ليس تراجعاً عن هدف أو مبدأ، أو تخوفاً من مستنقع، أو تهرباً من استنزاف، ولكن إعادة الأمل هي رسالة سياسية تبحث ولا تزال عن حلٍ سياسي مع المتآمرين بأقل الخسائر.. وأتمنى تحقيق ذلك في مفاوضات الكويت الحالية.