الحياة - بالتوازي مع القضاء على التهديد الحوثي وإنهاء مغامرة إيران في جنوب الجزيرة العربية، يتعيّن أن تكون مواجهة «تنظيم القاعدة» في اليمن في صدارة الاهتمامات الخليجية، للقضاء على التهديد الذي يمثله التنظيم لليمن وللمنطقة ككل. الأيدي الإيرانية لم تكن بعيدة من تنامي «القاعدة» في اليمن، فالانتهازية الإيرانية لم تترك وسيلة إلا واتبعتها. وفي إطار أحلام الهيمنة، وسعي إيران من أجل تحويل اليمن إلى محمية تابعة لها، ودفع الحوثيين إلى ابتلاع اليمن وفرض الأمر الواقع بالقوة المسلحة، خلقت إيران حاضنة للتطرف الذي تغذى على الشحن الطائفي والشحن الطائفي المضاد. واكتسبت القاعدة زخم تحركها في اليمن من استيلائها على كميات أسلحة هائلة تركتها قوات الحوثي وصالح وهي تغادر مدن الجنوب اليمني.
هناك علامات استفهام جدية تحيط بواقعة ترك هذه الأسلحة غنيمة سهلة لـ «القاعدة»، ومعها مبالغ نقدية كبيرة تُقدَّر بمئة مليون دولار في فرع البنك المركزي بمدينة المكلا، وخصوصاً أنها كانت تكراراً لما حدث في الموصل في منتصف عام 2014، حين ترك الجيش العراقي كميات هائلة من الأسلحة والأموال ليستولي عليها «داعش» ببساطة. والسؤال هو: هل كان تكرار الواقعة بحذافيرها في العراق واليمن من قبيل الصدفة، أم أن هناك من قرر حدوث ذلك لغرض في نفسه؟
هل هي صدفة أيضاً، أن ينطلق تنظيم «داعش» الوحشي من سورية والعراق، وهما البلدان اللذان تلعب فيهما إيران الدور الأكبر، وتسرح وتمرح فيهما قوات عسكرية إيرانية وميليشيات طائفية تأتمر بأمر إيران، ويقبض على زمام السلطة فيهما نظامان تابعان تبعية واضحة لأولياء أمرهما في طهران؟ من هنا فإن مواجهة «القاعدة» شرط من شروط إحباط المخطط الإيراني الشيطاني الساعي إلى إرباك المشهد في العالم العربي بكل ما يستطيعه من عوامل الإنهاك والاستنزاف. ومن الضروري أن تشارك كل دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في هذه المهمة، لأن الأخطار الناجمة عن الإرهاب تطاولها جميعاً، وآثارها السلبية سياسياً واقتصادياً وأمنياً يمكن أن تكون فادحة.
التحالف العربي في عمليتي «عاصفة الحزم» و «إعادة الأمل» كان تحولاً استراتيجياً في تاريخ المنطقة، أعطى المبادرة والمبادأة لدولها في تحقيق مصالحها باستخدام قواها الشاملة، سياسياً وديبلوماسياً وعسكرياً واقتصادياً، وإيجاد صيغة عاجلة لتحالف خليجي يستهدف القضاء على خطر «القاعدة» تحديداً هو خطوة لازمة لتعزيز النجاح الذي تحقق، والمضي به خطوة إلى الأمام. وإذا كانت لبعض دول مجلس التعاون حسابات خاصة تجاه الأوضاع في اليمن منعتها من المشاركة في «عاصفة الحزم» و «إعادة الأمل» بالقدر المرجو، فإن التحالف ضد «القاعدة» يجب ألا تعوقه اختلافات في وجهات النظر، أو حسابات خاصة لكل دولة، بل إن هناك ما يشبه الإجماع التام على خطورة الإرهاب الذي تشكل «القاعدة» أحد أبرز رموزه، وعلى ضرورة التحرك لمواجهته. والباقي أن يُترجم هذا الإجماع إلى تحرك على الأرض، والاستعداد لتنسيق خطواته بين دول الخليج، وبينها وبين قوى عربية ودولية يمكن أن يكون إسهامها مفيداً، وتحديد مسؤوليات كل دولة خليجية وحجم الإسهام المنتظر منها في مهمة القضاء على خطر «القاعدة» في اليمن.
إن مهمة قوات التحالف الحالية في اليمن ستستمر وفقاً لما ستسفر عنه المحادثات مع الحوثيين، وليس متوقعاً أن تترك إيران اليمن لشعبه ببساطة، بل ستظل تحرك أذنابها من وراء الستار في الوقت الذي يناسب مصالحها، وستضبط إيقاع حركة الميليشيات الحوثية على متطلبات مساوماتها التي لا تنتهي، ولذا سيبقى الدور العسكري للتحالف نشطاً على الأرجح في مواجهة القاعدة.
إن طبيعة العمليات العسكرية التي تتطلبها عملية القضاء على «القاعدة» في اليمن تحتاج إلى قوات ومعدات وتكتيكات حربية ذات طبيعة خاصة، تختلف عن تلك التي تخوض الحرب ضد عصابات الحوثيين وصالح. ومن شأن جعل مهمة إنهاء وجود القاعدة في اليمن عملية مستقلة، أن يتيح للقوات المكلفة بها أداء مهماتها بكفاءة أكبر، وتحقيق نتائج أسرع، وتوسيع مجالات التعاون مع أطراف أخرى مهتمة بالقضاء على خطر القاعدة قبل أن يتفاقم. وإذا كانت هناك قوى دولية وإقليمية لديها ما يمنعها من مساندة قوات التحالف العربي ضد عصابات الحوثي وصالح، فإن اقتصار المهمة على محاربة القاعدة سيزيل كثيراً من عوائق التعاون، ويستقطب أطرافاً تكتفي بموقف الحياد أو التنديد اللفظي بما يقترفه الحوثيون وصالح من جرائم في اليمن.
سيكون التحالف العربي من أجل القضاء على القاعدة في اليمن خطوة جديدة، تُشعر العالم بأن الدول العربية والإسلامية هي من يتصدى للإرهاب، وهي من يقضي عليه. وستكون هذه الخطوة أبلغ من كل الرسائل التي بُحت أصواتنا ونحن نحاول إيصالها بأن الإسلام بريء من الإرهاب وجماعاته. وبدلاً من أن يكون العرب والمسلمون في الهامش غير المرئي من الصورة في المهمات التي ينفذها «التحالف الدولي» ضد داعش، فإن الصورة لن يكون فيها سوانا في معركة القضاء على القاعدة في اليمن.
إننا لا نقلل من قيمة التحالفات الدولية أو نشكك في أهميتها، لكن أدوارنا في مثل هذه التحالفات ستظل محدودة، ولن نكون نحن الطرف الذي يحدد الوسائل والأهداف، ولن يُنسب إلينا النجاح إذا تحقق. أما التحالف الذي سيكون خالصاً لنا، فسنكون نحن من يصوغ كل تفاصيله، وفقاً للمصلحة الخليجية والعربية، وبناءً على اعتباراتنا التي تختلف عن اعتبارات القوى الدولية ودوافعها ومصالحها المعقدة. ولا يعني ذلك أننا سنقاطع الجهود الدولية أو نتوقف عن الانضمام إلى ما نراه ملائماً منها، لكنه يعني أن اليمن تحديداً، وبحكم المعطيات القائمة، هو المكان الملائم لنقدم للعالم تجربتنا نحن في القضاء على الإرهاب، وهي التجربة التي تتوافر لها كل عوامل النجاح. إذا أرادت قوى دولية أن تنضم إلى هذه الجهود، يمكن لنا أن نحدد، وفقاً لما نرى، شكل المساهمة وحجمها، على أن يبقى الوجود في مسرح العمليات امتيازاً خاصاً بدول مجلس التعاون بصورة رئيسية، وبعض الدول العربية. ويمكن القوى الدولية أن تشارك في مجال تقديم المعلومات الاستخباراتية، أو توفير أنواع معينة من الأسلحة والمعدات، أو تقديم التدريب على مهمام ومهارات خاصة.
الخاسر الأكبر من التحالف المطلوب ضد القاعدة هو إيران وجماعة الإخوان المسلمين. فإيران ستفقد أحد أهم عناصر الفوضى التي تتيح لها أن تتحرك تحت ستارها، وتمنح تحريضها الطائفي وقوداً تحتاج إليه. وجماعة الإخوان المسلمين ستفقد حليفاً ينفّذ كثيراً من المهمات بالنيابة عنها، وينسق عملياته القذرة مع الجماعة التي تربطها بالتنظيم علاقات قربى فكرية وتنظيمية يحرص الطرفان على استمرارها. لقد فتحت لنا «عاصفة الحزم» باباً إلى امتلاك المبادرة، وهو الطريق الذي يجب أن نمضي عليه حتى نضمن لأنفسنا المكان الذي يتناسب مع قدراتنا وإمكاناتنا. وليس أنسب من مواجهة الجماعة التي أصبحت عنواناً للإرهاب، والقضاء عليها قضاءً مبرماً. وعلينا أن نفعل ذلك من دون إبطاء.