الرياض - في اللحظة التي طلب فيها الأمير سعود الفيصل - رحمه الله- من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إعفاءه من منصبه كوزير للخارجية بعد أربعين عاماً على رأس الدبلوماسية السعودية، كان الجواب الاحتفائي الذي تلقاه بأن تحقيق طلبه من أصعب الأمور وأثقلها..
لم يكن يدر بخلد الأمير سعود الفيصل الذي عاصر أربعة ملوك أنه سيتسلم قيادة دفة السياسة الخارجية في لحظة عصيبة ودقيقة على المستوى المحلي والخارجي، وبالرغم من كل ذلك صعد نجم الأمير الذي لقب لاحقاً بعميد دبلوماسيي العالم.
رحل الأمير سعود الفيصل، بعد أن ترجّل من كرسي الوزارة بشهرين، تاركاً إرثاً ضخماً لرجل لا يمكن أن يتكرر بسهولة.. وحسبنا أن مؤتمر "سعود الأوطان" - الذي نحيي فيه سيرة هذا الرجل النموذج - يستحضر أمرين مهمين، الأول: أن التكريم والاحتفاء هو الجزاء الذي يلقاه رجال الدولة المخلصون من قبل قيادة المملكة المتمثلة اليوم في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وهو خير من يقدر ويحتفي بكل مخلص وأمين.. والأمر الآخر هو الحفاظ على الإرث الذي تركه الأمير سعود وتوثيق مسيرته الطويلة كسياسي ساهم في صناعة القرار الإقليمي والدولي.
إن حجم الحفاوة الكبيرة التي يجدها اليوم الأمير سعود الفيصل وقد غادر دنيانا على المستوى الداخلي والخارجي والتقدير الكبير الذي يحظى به، إنما يعود لإسهاماته في عمل هو أبعد ما يكون لصنع المحبين والمعجبين منه لصنع الكارهين والأعداء، لكن الأمير سعود الفيصل رحمه الله - الذي دافع عن الثوابت إلى آخر أيام حياته - استطاع حيازة الإعجاب بفضل إخلاصه لمبادئه ومصالح دولته ومنافحته ببأس شديد عن قضايا أمته.
لقد استطاعت السياسة الخارجية السعودية في عهد الأمير سعود الفيصل التكيّف بشكل كبير مع حالة الاختلالات العميقة، والأزمات المزمنة التي عايشها منذ أن تسلم دفة الخارجية والتي تزامنت مع اندلاع شرارة الحرب الأهلية اللبنانية وصولاً إلى اتفاقية كامب ديفيد، تلك الأحداث عاصرها عميد دبلوماسيي العالم في بداية عمله وكلها أحداث مازلنا نسمع صداها ونعيشها.. في عالمنا العربي لا نحتفي برموزنا إلا بعد غيابهم، وقد لا نحتفي، إلا أن سعود الفيصل كان محل احتفاء دوماً حياً وميتاً..