دوائر عالمية وعربية اهتمت بالزيارات المتلاحقة للرياض، من زعماء خليجيين، وعرب، ثم الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) وكانت الموضوع اللافت للمراقبين بتزامنها مع زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وبعيداً عن التقولات والتعليلات، يوجد عامل مشترك يهم كل تلك الدول.. فهناك إرهاب يتمدد لا تنحصر أخطاره على الدول العربية وحدها، وإنما أيضاً على تركيا، يرافقه تمدد إيراني يضع نفسه معادلاً أساسياً في أي تسويات سياسية أو عسكرية، كذلك موقف دولي غير واضح يطرح المشكلات ولا يريد حلها لجني مكاسب من بيع الأسلحة وابتزاز الدول وكذلك النوايا التي تتحدث عن تقسيم المنطقة وفق الوقائع والأحداث الراهنة.. هنا نسأل أين موقع الرياض من ذلك كله ومعها دول الخليج العربي، وكيف ترى أنقرة المواضيع الساخنة، وهي التي بقدر ما تذبذبت سياساتها تجاه العراق، ثم سورية والغموض من مجريات المشكلات المتصاعدة هناك، هل تريد أن ترى في الرياض القوة المحركة، وأن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي فضل إطفاء الحرائق قبل أن تتضاعف نيرانها، هو الذي يريد أن يضع المسؤوليات أمام كل من له علاقة بالمنطقة وتداعياتها وتحديداً تركيا ذات الروابط التاريخية مع هذا البلد؟ قبل الربيع العربي البائس، كانت تركيا تتمتع بعلاقات غير عادية مع كل الدول العربية، عزز ذلك وقفتها الإيجابية ضد إسرائيل في اعتداءاتها المتكررة على فلسطين، وكذلك التطور الاقتصادي والسياسي اللذان قادهما أردوغان، وجعل بلده تحتل تصنيفاً اقتصادياً مرموقاً واعتدالاً سياسياً مزج الإسلامي بالديموقراطي، إلا أن ما جرى بعد ذلك، لا نقول إنه أوقف العلاقة مع معظم الدول العربية، لكنه أثّر بها وعرضها للشكوك.. نعرف أن المملكة ليست طرفاً في خصومات أو خلق عداوات، بل كانت حاضرة لأي دعم سياسي ومادي للأمة العربية والعالم الإسلامي، غير أن الظروف المستجدة وضعتها في قلب الحدث ومع ذلك كان الاعتدال هو السائد لأنها تدرك أن تسخين الأجواء غالباً ما يكون عائده الأسوأ، وهنا تأتي زيارة الرئيس التركي لذات الأهمية، والتطلعات تتحدث ليس عن سياسة المحاور والتحالفات، وإنما التعاون على أسس أكثر وضوحاً.. فسورية والعراق، قاسم مشترك بين البلدين، فهما سيكونان في صلب المباحثات لأن تركيا تدرك مخاطر المستقبل البعيد ليس أن تجاورها إيران بطوق جديد، وإنما الفعل الآخر فيما لو طال زمن الحرب وتخلّقت جماعات جديدة إرهابية، أو حدث ما يسمى بالأمر الواقع أي تقسيم البلدين وفق دويلات طوائف وقوميات، فهذا له أثره عربياً على المملكة وكذلك تركيا.. أيضاً الحالة اليمنية، وهي وإن رأت إيران أنها منتصرة، فهي تجهل أو تتغابى عن طبيعة هذا البلد العربي وتركيبته وسرعة تبدلاته، وفي هذه الأجواء هل يكون للبلدين دور جديد ومركزي تتضح فيه الرؤى ليس على شكل واقع اليوم وحده، وإنما على صياغة مشروع للمستقبل البعيد حيث كل شيء قد يكون مفاجئاً ومعقداً.. تركيا قوة إقليمية معتبرة لها تطلعاتها وأهدافها، والسعودية محور محيطها وعالمها الإسلامي، وتلاقي الأهداف بين البلدين تعززه الرغبة الصحيحة والصادقة في تجنيب العرب والمسلمين المزيد من الأزمات إذا ما صدقت النوايا وتحققت الأهداف.. *نقلا عن "الرياض"