العرب - احد أهم الأسباب التي دفعت السعودية إلى الاستثمار بمئات المليارات من الدولارات في التكرير والبتروكيميائيات داخل دول تستهلك النفط مثل الولايات المتحدة والصين، هو خلق شبكة مصالح مع الزبون والحفاظ عليه بقوة. مثال ذلك هناك اليوم 8900 محطة وقود لشركة شيل وشركة تكساكو في الشرق والجنوب تملكها شركة موتيفا أنتربرايس، وهي استثمار مشترك بين شركة شيل الملكية الهولندية والشركة السعودية للتكرير.
وهذا ذكاء كبير من السعوديين الذين لم يفعلوا كما فعلت الكويت حين وضعت اسمها على محطات الوقود التابعة لها في أوروبا. السعودية تلعب بالخفاء لتفادي أيّ ردّات فعل سياسية يمكن أن تؤثر على استثماراتها الضخمة. عندما يقف المحامي الأميركي ويملأ سيارته في محطة شيل للوقود هو في الحقيقة يدفع المال مرة أخرى للسعودية، التي تستثمر في بيع النفط الخام، ثم بعد بيعه تستثمر في التكرير والتوزيع عالميا. وهذا يفسر لنا عدم تأثر الاقتصاد السعودي بهبوط أسعار النفط، لأن السعر للمستهلك مازال مرتفعا ولم ينخفض. بلادي كندا مثلا تعرّضت لضربة اقتصادية كبيرة من هبوط الأسعار، لأنها تستثمر في البيع فقط، ولا يد قوية لها في التوزيع والتكرير في الولايات المتحدة.
الحفاظ على تيار الدخل من النفط مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى المملكة. أموال النفط تدفع ثمن الطعام المستورد وتحلية المياه التي تضمن استقرار المجتمع. هذه الحياة لن تتغير في العشرين أو الثلاثين سنة القادمة. وفي الوقت الحاضر المملكة مستعدة لدفع مئات المليارات من استثماراتها في عملية تحول إلى دولة صناعية.
الدولة السعودية الحديثة تم بناؤها بالنفط. البترول في تلك الآبار البعيدة هو الذي حوّل الصحراء المتكونة من واحات متباعدة الى قوة صناعية متطورة في القرن الحادي والعشرين. أموال النفط هي التي كانت المحرّك لطموحات البلاد. المملكة العربية السعودية والنفط شيء واحد في عيون العالم. دون النفط السعودية بلد معروف بالعتبات الإسلامية المقدسة فقط.
ماذا سيحدث لو نفد النفط؟ ماذا سيحدث لبلاد يعتمد اقتصادها على النفط بنسبة 89 بالمئة، بالنسبة إلى السعوديين هذا سؤال خاطئ، التهديد الحقيقي ليس نفاد النفط، بل الافتقار إلى زبائن يشترون النفط هو المشكلة، اليوم أو غدا. يخشى السعوديون أن العرض سيكون أكثر من الطلب، أو الأسعار ستكون أكبر من قدرة المشترين ويجف السوق الذي يعتمدون عليه في حياتهم. دفع هذه اللحظة أبعد فترة ممكنة هو حجر الزاوية في السياسة السعودية اليوم.
|
وجود النفط ليس مشكلة، على الأقل ليس الآن. السعودية تستطيع ضخ النفط حتى نهاية القرن الحادي والعشرين، وتبقى هناك حاجة إلى النفط حتى ذلك الحين. بحسب وكالة الطاقة الدولية فإن اعتماد السيارات على الكهرباء وتطور التكنولوجيا سيقلل من اعتماد الدول المتقدمة على النفط تدريجيا، إلا أنه تبقى هناك حاجة متصاعدة لدى الدول النامية كالصين والهند والبرازيل.
سيبقى النفط أساسيا مع بدائل الطاقة حتى عام 2035. بعد هذا التاريخ الصورة قاتمة، والسعوديون يعلمون ذلك، فليس ريع النفط في خطر وحسب، بل البلد يعاني من مشكلة خطيرة ذات صلة، هي نقص الغاز الطبيعي والكهرباء، ممّا يدفع البلاد من الآن إلى تبني خطط للاستثمار بالمليارات في مشاريع الطاقة، وربما الأمر لن يستقر. يخشى السعوديون انخفاض الطلب على منتوجهم. وكما صرّح الوزير أحمد زكي يماني “العصر الحجري لم ينته بسبب نفاد الحجر”.
لم يندهش السعوديون من تقرير المخابرات الأميركية حين ذكر “كما يبدو أنه بحلول 2025 سيكون هناك تقدم تكنولوجي سيقدم بديلا للنفط والغاز الطبيعي، ولكن التحول سيأخذ وقتا بسبب التكاليف. وفي كل الأحوال سواء إذا كان التقدم سيحدث في عام 2025 أم بعده، فإن التأثير الجيوسياسي لهذا التحوّل سيكون مهولا، السعودية ستمتص الصدمة الأكبر بسببه”. التقرير الأميركي يقول إنه في حال حدوث ذلك “على السعودية التقشف في مؤسساتها الملكية”. ولكن هذا أقل ما يكون من قلق السعوديين. دون أموال النفط، لن يكون بإمكانهم إدارة المدارس والمستشفيات والمساجد ومحطات الكهرباء والحوافز التي تضمن التعاقد بين الناس والأمراء، هذا بغض النظر عن دعم القوات المسلحة والأمن الداخلي وحرس الحدود.
قبل عقود كان السعوديون يقولون إنه في حال نفاد النفط يعودون إلى الحياة الرعوية، حيث العيش الجميل في مضارب الخيام والتنقل على الحيوانات، إلا أن الأجيال الحديثة قد ولدت في عهد السيارات والكهرباء والمكيفات وهي غير مهتمة أبدا بالحنين الرومانسي إلى حياة البداوة.
ليس صحيحا القول إن النفط هو الثروة الطبيعية الوحيدة في السعودية، هناك أيضا الفوسفات والذهب حيث المناجم أخذت تنمو في الفترة الأخيرة، وفي المملكة رابع احتياطي للغاز الطبيعي، بعد روسيا، وإيران، وقطر. لكن المملكة تستهلك كل غازها محليا في توليد الكهرباء للشعب، وتزويد مصانعها البيتروكيميائية الضخمة. معظم الدخل السعودي يأتي من النفط، وعليهم الاستمرار بالبيع لتمويل احتياجات البلاد.
السعودية تستهلك 2.8 مليون برميل يوميا. وفي عام 2010 أصبحت السعودية ثاني أكبر دولة يتصاعد فيها الاعتماد على النفط بعد الصين. فالاستهلاك المحلي السعودي للنفط تصاعد من 114.6 مليون طن عام 2000 إلى 153.2 مليون طن عام 2005 إلى 198 مليون طن عام 2010 وسيصل إلى 341.6 مليون طن عام 2020. وكما تقول مؤسسة الجدوى السعودية فإن الاستهلاك عام 2030 سيصل إلى 6.5 مليون برميل يوميا، فكيف يمكن للدولة الاستمرار ببيعه للناس بسعر 10 دولارات للبرميل إذا كان الاستهلاك المحلي سيصل إلى مستوى يفوق كمية التصدير؟ برنامج دعم الوقود والكهرباء يكلف الدولة 38 دولارا سنويا، لا توجد دولة في العالم تدعم بهذا المقدار سوى إيران، ولكن سكانها أضعاف سكان السعودية.
عام 2009 مجموعة بحث تابعة لجامعة كيمبرج أجابت على السؤال الصعب المتعلق بالنفط، ماذا سيحدث بعد عام 2030 “ستكون هناك نقطة تحول عندما يتوقف تنامي الإنتاج في حقل النفط” وستستمر الحاجة إلى النفط لعقدين بعد نقطة التحول هذه، ثم يختفي النفط كسلعة.
حاجة السعودية إلى الغاز الطبيعي ستصل إلى 14.5 مليار قدم مكعب في اليوم بحلول 2030 من 7.1 مليار قدم مكعب عام 2007، لقد أنفقت السعودية 9 مليارات دولار للتنقيب عن الغاز ونتائج البحث عن الغاز في الربع الخالي لم تكن واعدة أبدا، فلم يعثر المنقبون على شيء، وحتى لو عثروا لم يكن ذلك الغاز ضمن الجدوى الاقتصادية للتنقيب.
فما العمل؟ إما الاستمرار بضخ النفط بأسعار مخفضة للحصول على الغاز المرافق لهذه العملية أو العثور على حقول غاز في الربع الخالي. يحتاجون الغاز للصناعة البتروكيمائية وطموحاتهم الصناعية، ولكنهم لا يمتلكونه، كما صرّح جون ساكياناكيس المدير الاقتصادي للبنك الفرنسي السعودي وقال في النهاية ماذا يمكنهم أن يفعلوا؟
حين تنتهي صناعة النفط ستتحول السعودية إلى دولة صناعية متقدمة للبقاء، وهذا يحتاج إلى غاز. فكل الحديث عن الطاقة الشمسية أو النووية في السعودية مجرد كلام مبكر الحديث فيه. السعودية سيبلغ عدد سكانها خمسين مليون سعودي بحلول عام 2030. وستكون بحاجة للغاز القطري لبناء امبراطورية صناعية في وقت تنسحب فيه الولايات المتحدة من المنطقة.
هذا باب لإرساء التفاهم المبكر وتعميق العلاقات القائمة على الثقة وليس التوجس من الجار. بحلول عام 2030 سيكون هناك أكثر من مليون مسلم سني قطري بجوار عملاق صناعي سعودي بحاجة إلى الغاز. هذا مشروع للمستقبل وليس دعوة لإرباك المنطقة استراتيجيا.
وقّعت تركيا وقطر قبل أيام قليلة أول اتفاقية عسكرية بين البلدين. هناك ثلاثة آلاف جندي من القوات البرية سيتمركزون في القاعدة التركية وسيرتفع العدد بحلول 2030، وهي أول منشأة تركية في الشرق الأوسط إلى جانب وحدات جوية وبحرية ومدربين عسكريين وقوات خاصة. ما الذي تخشاه قطر ويستدعي حماية تركيا؟
ستستمر قطر بخلق طائفة إسلامية جديدة هي “طائفة الإخوان المسلمين” وستنمي التعاون العسكري مع تركيا، لأنه لا شيء في نظر البعض يضمن بقاء الدولة القطرية الغنية والعملاقة بالغاز إلى جوار عملاق صناعي سعودي بحاجة إلى الغاز للصناعات البيتروكيميائية وتوليد الكهرباء وتحلية المياه بعد أفول عصر النفط سوى الجندي التركي.
هذا يعكس سوء ظن وإشارة إلى مقدار تأثير الإخوان المسلمين على سجية قطر العربية السابقة. السعودية لم تبدأ أحدا بعدوان، ويمكن جدا لعلاقات الثقة والتعاون أن تجعل من قطر دولة غنية وقوية في القرنين القادمين من خلال التعاون مع العملاق السعودي الصناعي وتزويده بالغاز الذي يحتاج إليه. فاللاعب التركي لن يلعب إلا لصالحه.