الرياض - ليس من الصعب أن تبني متحفاً جديداً، وليس من الصعب –أيضاً- أن يكون الأضخم من نوعه؛ لكن أن يحقق النجاح ويكون عنصر جذب حقيقي للجمهور فهذا هو التحدي الصعب. أحد أهم مرتكزات رؤية المملكة 2030 هو تعميق بُعدها العربي والإسلامي، وأحد وسائل ذلك هو إنشاء أكبر متحف إسلامي في العالم، ذلك أن نبي الإسلام بعث من مكة ومنها انطلقت رسالته إلى العالم أجمع، وتأسس أول مجتمع إسلامي عرفه التاريخ في المدينة المنوّرة، فمن الطبيعي أن تحتضنه بلادنا.
لن يكون المتحف أول مركز يتناول التعريف بعهود الحضارة الإسلامية وفجر انطلاقتها هنا، لذا من المتوقع أن يكون متميزاً عما سبقه، بحيث يكون شاملاً لبداية الدعوة المحمدية في مكة ثم الهجرة الى المدينة، وأن يخصص لنبي الرحمة جناح متكامل، نتتبع فيه حياته صلى الله عليه وسلم من صباه في البادية حتى وفاته في المدينة المنورة، ثم عصر الخلفاء الراشدين، وما تلا ذلك من امتداد نور الإسلام إلى قارات العالم، معتمداً على تسلسل تاريخي ورؤية فلسفية تؤكد روح التسامح وسعة الإسلام، وأن تربط بالمواقع التاريخية الإسلامية في المملكة، والتي لابد من تطويرها وجعلها قابلة للزيارة أيضاً.
من الضروري أن تكون جميع مواد ووسائل المتحف قابلة للقراءة والاستماع باللغات الحية الأكثر انتشاراً بالعالم، وأن يُعتمد على أسلوب التعليم بالترفية والمغامرة، ليعيش الزائر تجربة تفاعلية لا تنسى مع المواد والوسائل والأنشطة، والتي يجب أن تكون قابلة للاتصال اللحظي مع وسائط الاتصال الاجتماعي، مما يمكّن الزوار من مشاركة تجربتهم مع متابعيهم مباشرة، ولا تنس إضافة صالات عرض سينمائية ومسارح لعرض الأفلام والمسرحيات التي تدور في فلك المتحف، وكذلك متاجر للتذكارات والمطبوعات.
وبالطبع لا يمكن أن يكتمل المتحف دون وجود أجنحة تتناول أثر الفكر والثقافة الاسلامية، وكذلك اللغة العربية على لغات البشر، ناهيك عن العلماء المسلمين وأثرهم على تطور العلوم والآدب. كما أن إلحاق مركز دراسات وأبحاث وتقديم دورات قصيرة ومتوسطة للتعريف بالإسلام سواء داخل المتحف أو عبر شبكة الإنترنت سوف يسهم بتحقيق أهداف المتحف.
بقيت نقطتان اثنتان، أعتقد أنهما سوف تسهمان بنجاح المتحف بمشيئة الله؛ الأولى هي ضرورة تأسيس مؤسسة غير ربحية مستقلة لإدارة المتحف، بحيث يكون لها المرونة المالية والإدارية لتطوير نشاطات المتحف واستمرار توهجه، لكي لا نصيب الإبداع في مقتل بسبب تأخر وتعقّد الإجراءات الحكومية، والثانية أهمية أن يعاد النظر في موقع المتحف، بحيث ينقل من الرياض إلى جدة، ليكون أكثر قرباً من ضيوف بيت الله الحرام وزوار مسجد رسوله، ناهيك عن إتاحة الفرصة لغير المسلمين لزيارته، ولك أن تتصور أن يؤسس المتحف بالقرب من إحدى محطات قطار الحرمين في جدة، مما يجعله سهل الوصول من مكة والمدينة وكذلك قابلاً للزيارة من ركاب المرور في مطار الملك عبدالعزيز الدولي، بالإضافة أن يكون معلماً سياحياً إضافياً لعروس البحر الأحمر.
آمال ضخمة نعلقها على هذا المشروع الأمل، فمجرد وجوده إضافة معتبرة لمهبط الوحي، ووسيلة فعالة للتعريف الحقيقي المحايد بشريعتنا وما تقدم بلادنا لديننا السمح.