الحياة - كان استثناء مناطق وتنظيمات في سوريا من الهدنة، كعدم شمولها تنظيمي داعش، وجبهة النصرة، مدخلاً كي تكون هدنة منقوصة منذ اليوم الأول لتطبيقها في 27 فبراير الماضي. الآن تريد روسيا تصنيف “جيش الإسلام”، و”حركة أحرار الشام”، كمنظمتين إرهابيتين، كي تبرر لنفسها، ربما بأثر رجعي، توسيع رقعة خرق الهدنة، لتشمل جبهات: الساحل، وريف دمشق، وريف حماة وحمص، وإدلب، ما يعني كل “سوريا المفيدة”، إضافة إلى غير المفيدة.
فوق هذا، جيش الإسلام، وحركة أحرار الشام، تنظيمان ممثلان في الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن مؤتمر الرياض، ومحمد علوش هو كبير المفاوضين في الهيئة، ما يعني سياسيّا أن روسيا تريد الضغط على الهيئة لتعديل تركيبتها، خاصة إذا حصلت على دعم أميركي. لم يحدث ذلك، لكن أميركا وروسيا اتفقتا على تهدئة بدأت ليلة الجمعة – السبت لمدة 72 ساعة في جبهة جبل الأكراد وجبل التركمان شمال اللاذقية، ولمدة 24 ساعة في ريف دمشق. الغريب أن المنطقتين يتواجد فيهما التنظيمان اللذان تريد روسيا وضعهما على قائمة الإرهاب. كل هذه المعطيات على أرض السلاح والسياسة، والغوطة تشهد صدامًا بين “جيش الإسلام” من جهة، و”فيلق الرحمن”، و”جيش الفسطاط”، من جهة ثانية، رغم الاتفاق الجزئي على التهدئة مساء الجمعة.
|
على العموم، خيار روسيا وإيران، وتابعهما النظام السوري، تطبيق الهدنة في المناطق التي تناسب وضعهم العسكري، وخرق الهدنة في المناطق التي يثقون فيها بقدرتهم على توجيه ضربات موجعة للمعارضة.
ولذلك، لم ترضخ روسيا لكل الضغوط كي تعود التهدئة في حلب، التي لم تكن فيها الهدنة كاملة منذ اليوم الثاني للهدنة، أي 28 فبراير الماضي. وعلى جبهة ستيفان دي ميستورا الهادئة، تفضّل المبعوث الدولي للإحصاء، بقوله إن في سوريا قتيلاً كل 25 دقيقة، وجريحاً كل 13 دقيقة، في إشارة إلى ارتفاع منسوب “العنف” بعد انهيار الهدنة.
كان نصيب حلب وحدها من “العنف” الروسي الأسدي في الثمانية أيام الأخيرة 150 شهيداً، منهم خمسون في مشفى القدس في منطقة “السكري” الذي تديره منظمة أطباء بلا حدود، في سابع “حادث” مماثل تتعرض له مستشفيات تدعمها المنظمة في منطقة حلب وإدلب في النصف الأول من هذا العام.
بين الشهداء طبيب الأطفال الوحيد في الجزء الذي يسيطر عليه مقاتلو المعارضة في حلب، محمد وسيم معاذ، وطبيبان آخران أحدهما طبيب أسنان، ناهيك أن معظم الشهداء والمصابين من الأطفال والطواقم الطبية في المشفى المذكور.
ومن أهداف طيران النظام والطيران الروسي، أيضاً، ثلاثة مراكز طبية في أحياء المرجة والمواصلات وبستان القصر ومحطة معالجة مياه الشرب في باب النيرب، إضافة إلى المستودع الرئيس لمنظومة الإسعاف في مناطق المعارضة بحلب، ما يؤكد عدم عشوائية اختيار الأهداف، وأن الهجوم على حلب فعل، وليس رد فعل على تعليق الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة مشاركتها في مؤتمر جنيف.
أما إحصائية الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة فتقول إن 504 أشخاص قتلوا منذ تعليق مفاوضات جنيف في 18 أبريل حتى 27 منه، أي في تسعة أيام. بينما قالت إحدى نساء دي ميستورا إن ثلاثة آلاف سوري كانوا مرشحين للقتل لولا الهدنة، قياساً إلى معدل الموت قبل الهدنة، في دعوة منها للعودة إلى الهدنة.
الهدنة غير الكاملة، حسب إحصاءات الهيئة العليا للمفاوضات، شهدت مقتل أكثر من 810 مدنيين منذ بدء تطبيقها حتى انهيارها تماماً في الأيام القليلة الماضية. روسيا مرتاحة، والنظام مرتاح، ووسائل إعلامهما تنكر أمام العالم تهمة قصفهما مستشفيات.
أكثر من ذلك، بثت قناة “روسيا اليوم” شريطاً لقصف المستشفيات على أن المعارضة هي التي ارتكبت الفعل، بالرغم من أن الشريط يُظهر عناصر من “القبعات البيض”، أي الدفاع المدني، في “المناطق المحررة”.
في النتيجة، مادامت المعارضة بلا زعيم “يمون” على أطرافها، سيبقى الوضع سيئاً لفترة طويلة قادمة، وستبقى روسيا صاحبة اليد الطولى، كونها “تمون” على النظام السوري، وعلى الولايات المتحدة، وعلى الأكراد.
أميركا كانت “تمون” على إسرائيل، ولو قليلاً، في حروب الأخيرة على الفلسطينيين، حين تحث حليفتها بمحاولة تجنب المدنيين في قصفها المقاومة هناك، لكن أميركا “لا تمون” ولو قليلاً على روسيا. هي راضية، إذن، عمّا يحدث.