الحياة - في خضم محاولاتهم الحثيثة لتجريم الحكومات العربية، أضاع الإخوان المسلمون هيبة القضايا العادلة، وبدل أن يسعوا بكل هيلمانهم الصوتي - حد الضجيج - إلى توحيد الصف في مقابل العدو البين، عمل هؤلاء المتسلقون على حرف الانتباه عن جرائم الإبادة التي تنهش بسبب تحريضهم عالمنا العربي في شكل عام وتنال السوريين اليوم في شكل خاص، لمصلحة حفلات الردح التي أقاموها على موائد الدم والجماجم المسحوقة بنيّة اتهام الآخرين بالتقصير! إذا كان «داعش» يطعن الثوار في الداخل السوري من الخلف لمصلحة النظام، فإن أولئك وباسم الدفاع عن المظلومين يطعنون الأمة بكاملها لمصلحة أعدائها بكل شراسة واستبسال.
لمصلحة من يوغر هؤلاء الأفاكون قلوب المسلمين الذين تتقطع قلوبهم ألماً وحسرة بسبب مشاهد ذبح السوريين وتشريدهم وتدمير أرضهم؟ لمصلحة من يتم وصم «بقايا» الحكومات العربية بالتخاذل والجبن والعمالة؟ سواء أكانت تلك التي ركبت سفن النجاة من أجل العبور بأوطانها مضائق الضعف جراء ثورات ما هي بثورات، بقدر ما كانت حبائل أهواء ومصائد موت نالت من استقرار بلدانهم، أم تلك التي لا تزال صامدة في وجه أمواج عاتية تتلاطم يمنة ويسرة تتقاذف مخططات التوهين التي أريد لها أن تكسر شوكتها.
إن أحزاب العمل السياسي الإسلامي، وفي مقدمهم الإخوان المسلمون يريدون بكل خبث تعميم تجربة الانهيار على كل البلدان العربية، بل والإسلامية، هم من بث في القلوب كره الحكام والأنظمة، فلم يستجيبوا لنداء العقلاء الذين حذروا من تبعات شقاواتهم، التي انقضت بجنون على الأمن والاستقرار عند من استجابوا لهم حين صدقوا وعودهم الكاذبة التي تسترها لحاهم، إنهم يكيدون كيداً، ويتربصون بأوطاننا كل مُتربص، إذ لا يخطئ الراصد لمسيرة عملهم مدى احتفالهم بالمجازر التي تنال المسلمين، إنهم يتمنونها في الحقيقة، إنها البوابة الكبيرة نحو تحقيق أهدافهم التي يسعون بنهم إلى بلوغها، إنهم الميكافيليون المسلمون، غاياتهم تبرر كل الوسائل، فلا اعتبار لبشر ولا حجر، عدوهم العقول التي تفكر بعيداً عن هرطقاتهم، وما دامت تقف في وجوههم حكومات راسخة فإن هذا يعني عجزهم، لذلك هم يستغلون المآسي في سبيل تحقيق معادلة الشعور بالذنب بين ملايين الشعوب المسلمة، حتى يسهل عليهم عملية تجييشهم تحت راياتهم العفنة التي تغلفها أهواؤهم السلطوية، إنهم يريدون سقوط الجميع حتى تتفتح سراديبهم المعتمة، ويخرج مجاهيلهم الذين تسلحوا بالغل الذي زرعه أربابهم في نفوسهم على الجميع، بما فيهم الشعوب التي لم تلن لإسقاطاتهم الخبيثة، ولم تذعن لآلهة الرأي الواحد الذي ينتهجونها في سبيل تجبرهم على رقاب المسلمين.
استطاع الإخوان المسلمون بعملهم الحزبي المنظم الذي يقوم على منهجية الخداع والكذب والتلون أن يتغلغلوا إلى قلوب المتحمسين، على رغم النفاق البين الذي يطاول مخرجاتهم بما لا يقبل مجالاً للشك في أصل أهدافهم، فالدعوات إلى الجهاد ونصرة المكلومين المظلومين واجبة على الناس أجمعين إلا أبناءهم، والتحذير من التغريب من خلال نقد ابتعاث الطلبة للدراسة في الخارج قائم على الجميع، فيما يستبشر هم بتخرج أبنائهم وبناتهم من أرقى الجامعات الغربية! وفي مسعاهم الحثيث إلى فرقة المجتمع، قاموا بترهيبه من مخالفيهم بصفات الليبرالية والعلمانية، فيما هم يحجون إلى الدول التي تبنت العلمانية منهجاً قويماً لأساسات دولهم، ويدافعون عنها بكل إمكانياتهم، في تنازل رخيص عن مبادئ غرسوها في أوطانهم فقط ما دامت لا تتحقق فيها طموحاتهم، حتى باتوا يميعون الدين بنقض مسلمات كانت أصلاً منه يوماً من الأيام، في مسعى «سياسي» بحت لتلميع لصورتهم عند من أرقوا مضاجعنا في التحذير من كيدهم وبغضهم للإسلام والمسلمين.
في الختام، ينبغي التنويه إلى أن واجب مناهضة هذا الفكر الوصولي المقيت لا يقع على الحكومات المتضررة من رغباتهم فقط، إنما هو حق أصيل يقع على عاتق أبناء هذا الدين الذي سرق منه أولئك الحزبيون كل معاني الرقي والتسامح والتكافل بين منتسبيه، لمصلحة فئوية ضيقة تبطن بين طيات طموحاتها عفن التجريم والتخوين والابتذال.