الرياض - قد يكون العراق في أحرج منعطف يمر به منذ سقوط نظام صدام حسين، وتلك حقيقة واضحة، فحجم الغضب والاستياء عريض على مستوى الشارع العراقي الذي نفض يده من الطبقة السياسية في المنطقة الخضراء، وضاق ذرعاً من محاولة اختطافه نحو مشروعات سياسية قامت على إيجادها إيران التي تسطير عملياً على مفاصل صنع القرار في بغداد، وتلك حقيقة أخرى لا يمكن الهروب منها أو نكرانها أو التنصّل عنها.
في العراق انقسام داخل البيت الشيعي وحالة من الرغبة في استعادة الدولة التي غدت غنيمة يحاول الكل الاستئثار بالنصيب الأكبر منها.. وبغض النظر عن هذا الانقسام فالمحرك الأساسي للجموع ليست الطائفة أو ذلك الانقسام الذي قد يكون جزءاً منه تصفية حسابات سياسية، بل إن المحرك الأساسي هو حقوق العراقيين المسلوبة بفعل سياسات المحاصصة واحتكار السلطة التي جلبت الفساد والمحسوبيات وأقصت مكوناً لصالح آخر وألّبت المجتمع على بعضه.
اليوم لن يفيد أحد من الأطراف المحسوبة على واشنطن أو طهران محاولة اللجوء لأحدهما أو الرهان عليهما، بل إن الخيار الحكيم هو الانصراف عنهما إلى الشعب بالاستماع إلى مطالبه الطبيعية ورد حقوقه المسلوبة التي نتج عنها تدهور في الخدمات، وتأخر في الرواتب وصل إلى ستة أشهر، إذاً من يحرك الشارع اليوم ليس القيادات السياسية التي تحاول تجيير هذا التحرك لصالحها؛ بل إن من يوجّه القيادات هو الشارع، وترى إيران أن لهذا التحرك إضراراً كبيراً بمصالحها في العراق وسورية وبؤر الصراع الأخرى حيث تنشط مشروعاتها التخريبية.
إن الطريقة التي عبّر فيها المحتجون باقتحام البرلمان لا شك أنها ذات مغزى وهدف لا يخلو من رمزية واضحة بأن الطبقة السياسية الموجودة في العراق غير قادرة على الوفاء بمتطلبات الشعب الذي يريد أن يقول إنه يمسك بزمام أموره من بوابة مجلس النواب الذين انتخبهم، ولأجل ذلك فإن العراق يمر بحالة حرجة، فأن تكون البلاد دون موجّه ومقرر، فهذا يعني احتمال صعود الغوغائية، وهو ما سينسحب عليه عواقب مأساوية، لذا فإن مسؤولية حكومة العبادي وباقي الفرقاء العراقيين إدارة الأزمة باستقلالية تامة، وإلا فإن ما شهده البرلمان العراقي ليس سوى رأس جبل الجليد.