الرياض- من يعرف ويدرك حجم الاستحقاقات والتطلعات والخلافات والتحديات التي تحيط بالمنطقة سيستنتج الأهمية والحساسية التي تعقد فيها القمة الإسلامية في إسطنبول. بدا مشهد الخلافات التي تظهر بين بعض دول العالم الإسلامي غير قابل للتورية أو الإخفاء، فانكشاف الإشكاليات في الدول أو ما بينها سمة واضحة، وعلى الرغم من قساوة هذا المشهد الذي يسم منظمة ترفع آية قرآنية عميقة المعاني تحث على التوحد ونبذ الفرقة، إلا أن ما يجري في الواقع هو عكس ذلك تماماً، لكن ذلك الانكشاف قد يكون مدخلاً لتسويتها من بوابة أن الجميع قد أفرغ ما يخالج نفسه وبالتالي لم يعد هناك بدٌ إلا مواجهة تلك الخصومة وطرحها أرضاً.
يغلب على القمم الإسلامية الطابع الروتيني والخطابي الأمر الذي أفقدها دورها وجعلها مناسبة عابرة وغير مؤثرة ما أضاع من تأثيرها السياسي والاقتصادي وحتى الأمني، لكننا اليوم أمام قمة استثنائية، نقول ذلك لأن التحضير لها كان في مستوى الاستثنائية ولا نقصد ذلك التحضير الذي يسبقها بأسابيع، بل إن حجم ما أنجز من قبل الدول الفاعلة وعلى رأسها المملكة مكننا من قول ذلك بوصف القمة الإسلامية بذلك النعت، فالمبادرات التي اتخذت من أجل استعادة هيبة المنطقة وردّها إلى حيز التوازن قبل أن تنزلق في موقع الاضطراب فلا تقوم ولا تقف، فريدة من نوعها على كل المستويات.
ومن بوابة التحالفات بدأ العمل، وكأن المنطقة كانت بحاجة لمن يعلق الجرس، فتحالف عاصفة الحزم ثم الإسلامي لمكافحة الإرهاب، فرعد الشمال كلها جاءت لرفع الجهوزية الأمنية والعسكرية لفرض استقرار لا تقوم الدول إلا به، ثم كان الاقتصاد الذي نرى كيف تنسج تحالفاته عبر الجسور والصفقات والاستثمارات من خلال الدول الفاعلة في المنطقة، وهو أمرٌ لا نبالغ إن قلنا إن نتائجه ستمتد وسيسمع صداها من إندونيسيا إلى موريتانيا.
ومن بوابة المكاشفة كان حقاً على دول تحوّلت العلاقات بينها بفعل السياسة إلى خلاف جمّد الأواصر أن تدرك حجم مسؤولياتها للنهوض بالمنطقة، فالخلاف التركي – المصري الذي جاء نتيجة لمفاعيل ثورة 30 يونيو وتداعيتها، ليحوّل أنقرة والقاهرة من عاصمتين تعرفان بعضهما جيداً إلى حالة من الاغتراب هو أمرٌ يبعث على الإحباط، فتدابر دولتين بحجم تركيا ومصر هو مطمع ومطمح لكل من يرغب في ديمومة الاضطراب والفتور بين دول العالم الإسلامي وإفشال مشروعات تحالفاتها، والعكس يحدث لو عادت المياه إلى مجاريها وذاب جليد الخلاف على قاعدة تُغلَّب فيها المصلحة العامة وتسمو فوق أي مصلحة، فالعالم الإسلامي اليوم بحاجة إلى مثال يُقتدى به في وضع الخلاف جانباً والتفرغ إلى مواجهة التحديات والتي على رأسها الإرهاب الذي يضرب مستهدفاً عدة دول من بينها تركيا ومصر، مع ضرورة أن نعلم بأن هذا الإرهاب إنما تدفع به دولة ستكون حاضرة تحت قبة الاجتماع الإسلامي وفي جعبتها كلام عن تحرير القدس وفي جعبتها الأخرى تُخبئ مشروعات تفتيت الدول وتقسيمها.