الرياض - مرت العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة باضطراب محسوس كان من الصعب إخفاؤه، وهو ما أجبر المسؤولين الأميركيين التصريح بذلك علانية مطلقين عليه "الخلاف التكتيكي" في القضيتين الرئيسيتين: الملف النووي الإيراني والأزمة السورية، وإذا ما عدنا إلى تاريخ العلاقات فإننا نجد أن العامل الاقتصادي الذي كان النفط -ومازال إلى حد ما- جزءاً أساسياً منه قد شكل حجر الزاوية؛ إضافة إلى عوامل أخرى رئيسية دعمت تلك العلاقة بين البلدين اللذين يربطهما تحالف سبعيني.
في عز الخلاف التكتيكي بين الجانبين استطاعت القيادتان في البلدين الدفع باتجاه الحفاظ على زخم العلاقة وتحصينها من أي تداعيات قد يتأتى من ورائها خسارة للطرفين، على اعتبار أن لكل من الرياض وواشنطن دوره الإقليمي والدولي الذي لا يعوض ولا يمكن تجاوزه.
كانت الزيارة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى الولايات المتحدة سبتمبر الماضي مهمة وهادفة ومثمرة، إذ جاءت بعد توقيع الاتفاقية النووية مع إيران، والذي شكل منعطفاً خطيراً ومؤشراً حاسماً لشكل العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، لكن ما حدث خلال تلك الزيارة عكس التوقعات، إذ خرج ما يشي بأن للبلدين الرغبة في عدم إعطاء الفرصة لأي تباين سياسي أن يوسّع الفجوة البادئة في التشكّل، وذلك بمحاولة إعادة شد عرى التعاون مرة أخرى من بوابة الاقتصاد.
كان أبرز ملامح إعادة الزخم للعلاقات مع واشنطن إلى جادة التوافق من البوابة الاقتصادية والتنموية واضحاً عبر عدة خطوات بادر إليها الطرفان؛ فمشروع "الشراكة الاستراتيجية الجديدة للقرن الحادي والعشرين" الذي أطلق خلال زيارة الملك سلمان إلى واشنطن، وتنظيم منتدى تحدث فيه خادم الحرمين إلى رجال أعمال أميركيين وسعوديين موجهاً الدعوة إلى التوسع في الاستثمارات بين الجانبين، وتعيين الأمير عبدالله بن فيصل بن تركي رئيس الهيئة العامة للاستثمار سابقاً سفيراً لدى واشنطن، أوحى كل ذلك برغبة المملكة بشكل واضح إعطاء التعاون الاقتصادي بين البلدين أهمية كبرى.
ليس ذلك فحسب؛ بل إن زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الرياض واجتماعه بالقادة الخليجيين في قمة استثنائية قبل حوالي شهر كانت فرصة لإعلان أوباما نفسه إطلاق حوار اقتصادي على المستوى الوزاري بين الجانبين العام الحالي، الهدف منه تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين الجانبين والمساعدة في تنفيذ السياسات الاقتصادية وسياسات الطاقة الهادفة الى توفير موارد أخرى لتلبية احتياجاتها التنموية.
إن هذا التوجه من واشنطن لا شك عائد إلى الفرص التجارية السانحة لاقتصاديات ما بعد النفط في الخليج، كما أن هذه الرغبة من البيت الأبيض قد تكون إشارة واضحة للمنافسين الدوليين -وعلى رأسهم الصين الشريك الاقتصادي الضخم لدول الخليج- بأن الولايات المتحدة وإن كانت توجهت إلى الشرق الأقصى في إطار إستراتيجية "المحور الآسيوي" إلا أنها اليوم أيضاً ترى فرصة متجددة للبدء في تعاون اقتصادي على قاعدة تُقصي النفط لصالح الاستثمارات الأخرى.