العرب - واهم من يظن، ولو قليلا، بأن مقتدى الصدر يملك القدرة والرغبة في معارضة النفوذ الإيراني في العراق، حتى وهو مخالف بقوة لـ“إخوته” في التحالف الوطني، نوري المالكي وعمار الحكيم وهادي العامري وإبراهيم الجعفري. يقول صديق مقيم في أعلى أبراج السلطة في المنطقة الخضراء إن التحالف الوطني (الشيعي الإيراني) تعصف به الخلافات والصراعات الجدية العميقة، ولكن خلف جدران كاتمة للصوت.
وفي كل أسبوع، تقريبا، يهرول كبار القادة السياسيين والعسكريين والمستشارين المقربين من المرشد الأعلى علي خامنئي إلى بغداد لمنع تسرب أصوات المتخالفين المتعاركين في هذا التحالف عبر ثقوب تلك الجدران إلى الخارج.
ويؤكد الصديق أن الحقيقة هي أن التحالف قد تمزق، ولم يعد يملك سوى لافتة خارجية مرفوعة على مبنى آيل للسقوط.
ويقول إن إيران سمحت، مضطرة، لمقتدى الصدر، صاحب المزاج المتقلب الحاد والعصي على السيطرة، بأن يختلف مع “إخوته” نوري المالكي وإبراهيم الجعفري وهادي العامري، ولم تمانع من نقل خلافه معهم إلى الشارع لسبب واحد هو أن اعتصاماته تلك هي الوحيدة التي يمكن أن تفرغ ثورة الشارع الشيعي الغاضب على المحاصصة من جـذوتها، وأن تمسـك بزمامها. ولكن هتاف المندسّين الشيوعيين والبعثيين والمستقلين (إيران بره بره… بغداد حرة حرة) أشعل غضب طهـران كثيرا، وليس فقط غضب السفير الإيراني في بغداد الذي يقال إنه الحاكم الحقيقي في المنطقة الخضراء.
وهذا ما جعل مقتدى يؤمر بفض الاعتصامات، وإعادة أتباعه إلى بيوتهم، والسفر إلى طهران لبحث جذور ذلك الهتاف وحجم أصحابه، وأفضل السبل لوأده ومنع حدوثه، بأيّ حال، في قادم الأيام.
ويقول الصديق إن أميركا تلعب لعبتها في العراق بمنتهى الحنكة والدراية، ولكن على نار هادئة جدا، وبسيوف من حلوى وحرير.
يقول إن ما يجري، في العراق عموما، وفي المنطقة الخضراء خصوصا، ملاعبة دامية بين خيول أميركا العراقية وبين الخيول المتعبة والمكروهة التي لا يملك الولي الفقيه غيرها، تسخن أحيانا، وتبرد أحيانا أخرى.
إن واشنطن وطهران عدوتان وصـديقتان في آن معا. فكلتاهما تحتاج إلى صداقة الأخرى، في العراق على الأقل، وفي الزمن الحاضر، ولكنهما تخوضان معـا حرب تكسير العظـام، وبكل أنـواع الأسلحة المتاحة، ولكـن خلف الجـدران الكاتمة للصوت كذلك. وفي هذه النقطة بالذات لا يريد أي منهما أن يجهز على صاحبه بالضربة القاضية من ناحية، ولا أن يسمح لتلك الصداقة (المصالحية) المرحلية الاضطراريـة بأن تتحول إلى تحـالف حقيقي يَحكُـم على كليهما بقبول الشراكة (الناقصة) في النفوذ.
ومن أجل ذلك تستخدم أميركا العراقية حيدر العبادي في مناكفتها ومشاكستها لإيران في العراق. فهي لا تكف عن النفخ في نار حيدر العبادي الميتة، وتكثر، عن عمد وعلى أعلى مستويات الحكومة الأميركية، من التصريحات المناصرة له، وبالأخص تلك التي توحي بأنه حصان طروادة الأميركي داخل حزب الدعوة والتحالف الشيعي ومعسكر إيران العراقي، لكي تحرّض عليه نوري المالكي وإبراهيم الجعفري وهادي العامري والسفارة الإيرانية في بغداد، وقد نجحت في ذلك إلى حد بعيد.
فأميركا أول العارفين بأن حيدر العبادي شخص مائي لا لون له ولا طعم ولا رائحة. وهي أشطر العارفين أيضا بأن أهم صفاته وأكثرها وضوحا هي تأجيل عمل اليوم إلى الغد، حتى لو كان هذا العمل هو تناول فطور صباحه أو غدائه. فهو يستمتع، كما هو أوباما، بتأجيل البت في أصغر الأمور وأكبرها، وتركها للظروف وللقادم من الأيام.
إن الأمر في غاية التعقيد. أميركا تعلم بأن حيدر العبادي إيراني الولاء المطلق، ولكنها تمسك به، رغما عنه، وتلقي عليه عباءتها، وتغني له ما يطربه هو ويزعج إخوته الآخرين. لماذا؟
فهي تعلم علم اليقين بأنه عضو قيادي متقدم في حزب الدعوة، وشريك ثابت في التحالف الوطني (الشيعي الإيراني) لا يفوته اجتماع واحد من اجتماعاته، وهو حاضر دائما في مباحثاته وتخطيطاته. وعلى ذلك فهو لا يريد ولا يستطيع ولا يجرؤ، على أن يكون حصان طروادة الأميركي داخل حصون الولي الفقيه، لأنها مهمة مخيفة وخطيرة جدا على أمثاله من المترددين الخوافين المتذاكين المعتقدين بأن الإمساك بالرمانتين بيد واحدة هو طوقُ نجاته من الغرق في بحور العراق المتلاطمة.
كان الله في عون وطن يقوده حيدر العبادي، ويعارضه نوري المالكي وعمار الحكيم وإبراهيم الجعفري وهادي العامري ومشعان الجبوري وسنة إيران وجميع قادة التحالف الكردستاني، وتناصره ولا تناصره المرجعية، وأغلب العراقيين. فكيف تنعته أميركا بأنه القوي الممسك بعصا القيادة باقتدار؟