قد تكون الأرباح التي ستجنيها المملكة العربية السعودية من طرح جزء من شركة أرامكو للاكتتاب العام مغرية جدا خاصة في ظل حاجة السعودية لمصادر تمويل جديدة لخطتها الاصلاحية. لكن طرح جزء من أرامكو في البورصة لا تبدو عملية سهلة على المستوى العملي بالنظر إلى التحديات والمطالب التي ستكون الدولة السعودية وشركة ارامكو مطالبة بالاستجابة لها.
صحيفة نيويورك تايمز نشرت في هذا السياق مقالا ترجمته عنها الرياض بوست حول التحديات التي تنتظر شركة ارامكو والحكومة السعودية عند التخلي عن نسبة من أكبر شركة منتجة للنفط في العالم لصالح مستثمرين أجانب.
وأول التحديات التي تنتظر أرامكو هي التأقلم مع المطالبات والتي من بينها مطالبة البنك الدولي بأن تتأقلم أرامكو مع معايير الشفافية والمساءلة والرقابة التي تميز الشركات متعددة الأطراف.
أما ثاني التحديات التي ينتظر شركة أرامكو وفق الصحيفة هو توفيقها وإستجابتها من جهة لدورها الإجتماعي في المملكة بما أن أرامكو تدير مستشفيات، و مدارس و توفر عدد من الخدمات الاجتماعية الأخرى وكذلك مطالب المساهمين الخارجيين الذين سيركزون على الجانب التجاري والربحي أكثر وهو ما سيؤثر على سياسة الشركة وقد يخلق بعض العقبات والمشاكل حتى وإن كانت نسبة ملكية الدولة السعودية ستبقى 95 في المئة من هذه الشركة.
وهنا تبقى تجربة دول مثل نيوزيلندا و فنلندا في التوفيق بين أهداف السياسة الاجتماعية والسياسة جديرة بالاقتداء أو بالدراسة.
إضافة إلى ذلك ستكون أرامكو مطالبة بشكل أكبر عند طرح جزء من أسهمها للاكتتاب العام للاستجابة لمطالب الشفافية وهو ما دفع رئيس مجلس إدارة شركة أرامكو مؤخرا أن يؤكد بأنه من بين أهداف اكتتاب العام هو إزالة هذه الفكرة أن شركة أرامكو السعودية ليست شفافة.
وفي إشارة مشجعة، نشرت ارامكو استعراضا سنويا باللغة الإنجليزية لنحو عقد من الزمن لكن مطالب المساهمين لن يقتصر على ذلك بل من المنتظر بأن يشمل توزيع المسؤوليات الشركة كما أنه من المرجح أن يشمل طلب معلومات مفصلة عن معاملات أرامكو مع الحكومة السعودية أو العائلة المالكة.
وبالنسبة للتجارب المماثلة في عدد من البلدان فقد كانت هناك جهود جادة لتعزيز استقلالية مجالس الشركات المملوكة للدولة عن الحكومة ، بما في ذلك من خلال إضفاء الطابع المهني على عملية الترشيح ، وإدخال المديرين المستقلين، والحد من تعيين المسؤولين الحكوميين والسياسيين، لذلك من المنتظر أن يطالب المساهمون الجدد بمراجعة التعيينات في أرامكو التي يتألف مجلس الإداري الآن من تسعة أعضاء منهم ثلاثة وزراء في الحكومة السعودية.
إلى ذلك تشير نيويورك تايمز إلى أنه وعلى الرغم من إرتياح المستثمرين الغربيين لتعيين رئيس رويال داتش شل السابق ، مارك مودي ستيوارت ، و الرئيس السابق لمجموعة بي جي أندرو غولد، مديرين مستقلين في الشركة إلا أنها تؤكد بأن تواصل هيمنة تمثيل الحكومة في مجلس إدارة الشركة سيحفز القلق بين المستثمرين.
وفي هذا السياق تضيف الصحيفة الأمريكية إلى أن مراجعة التعيينات وهيمنة المسؤوليين الحكوميين في مجلس إدارة أرامكو سيكون ضرورة أمام مطالبة المساهمين الاجانب خاصة وأنه وفي دول مثل نيوزيلندا و سنغافورة تم منح مجالس إدارة الشركات التابعة السلطة الكاملة في التوجيه والإدارة، فيما حصر تدخل الدولة إلى حد كبير في التصويت في اجتماعات المساهمين.
كما أن القانون في النرويج لا يسمح للوزراء و أمناء الدولة بالجلوس وتقلد مناصب في مجالس إدارة الشركات المملوكة للدولة لتجنب مشاكل التحيز و تضارب المصالح التي يمكن أن تنشأ بين مصالح المساهمين والدولة.
وختمت الصحيفة مقالها بالتأكيد على أن الحكومة السعودية ستكون بوضعها لشركة ارامكو في الاكتتاب العام أمام تحد كبير ومعادلة صعبة للتوفيق بين الدور الاجتماعي للشركة ومطالب المساهمين بمزيد من الشفافية والإستقلالية في إتخاذ القرارات.