لم يعد سرا الحديث عن تحول ثقافي تشهده المملكة العربية السعودية التي باتت تسعى في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الانفتاح الثقافي والتقارب مع الغرب، وهو التحول الذي عايشه ولامسه الصحفي الألماني جوزيف كرواتورو ورصده في مقال له في موقع قنطرة.
ويشير الصحفي الالماني بأن سياسة الاصلاح في السعودية الشاملة في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود الذي يواصل مسيرة الإصلاح التي بدأها سلفه، الملك عبد الله، هي مسيرة لم تغفل عن الثقافة كمجال تستهدفه روح الاصلاح وبرامجه.
ويشير الصحفي الالماني في مقاله بأنه لا يمكن الحديث عن تحول ثقافي في السعودية دون المرور على القفزة النوعية التي حققتها المرأة السعودية في هذا المجال، بما أنه بإمكانك اليوم الحديث عن جمعيات نسائية ثقافية ومسرحية وعن عروض ونشاطات نسائية في السعودية.
وفي هذا السياق يضيف كرواتورو بأن روح الإصلاح تركت بصماتها أيضًا على فعاليات "الجمعية السعودية للثقافة والفنون" التي بدأت منذ فترة طويلة تشارك وتنشط عروضا ونشاطات يتم تنسيقها من قبل "لجنة المرأة".
ويذكر الصحفي الالماني أنه و قبل بضعة أعوام قامت ممثِّلات سعوديات هواة بتأسيس فرق مسرحية خاصة في العديد من المدن السعودية، وأصبحن يعرضن -فقط أمام جمهور من النساء- أعمالاً مسرحية، تتناول المشكلات اليومية للمرأة السعودية.
وعلى سبيل الذكر لا الحصر يؤكد كرواتورو أنه تم عرض مسرحية من أحدث هذه المسرحيات في شهر تموز/يوليو 2015 في مركز الملك فهد الثقافي في الرياض، ناقشت موضوع العنف الأسري. وعلى الرغم من الإشارة عند مدخل المسرح إلى عدم السماح بتصوير العروض النسائية، إلاَّ أنَّ التلفزيون السعودي قد بثَّ موجزًا عن هذه المسرحية. وبالإضافة إلى ذلك فقد تم على الصفحات الثقافية في صحيفة "الرياض" نشر صور لبعض الممثِّلات والمخرجة من دون حجاب.
ونظرًا إلى زيادة شعبية المسرح النسائي، الذي لا يُسمح بزيارته إلاَّ للنساء فقط، فقد دعت هذه الصحيفة في بداية شهر آب/أغسطس 2015 إلى "عروض مسرحية لكلِّ الأسرة" - وهذه إشارة تشير إلى إمكانية السماح قريبًا في المملكة العربية السعودية أيضًا بدخول الرجال والنساء سوية إلى المسرح.
مظاهر التحول الثقافي في السعودية يمكن ملاحظتها أيضا من خلال مهرجان عكاظ السنوي في مدينة الطائف بالقرب من مكة المكرمة في شهر آب/أغسطس 2015 ، حيث لم يكن بالإمكان إغفال التغيير الكبير الذي طرأ على المجال الثقافي في السعودي وفق الصحفي الالماني، أين يمتزج المسرح و الشعر بالتاريخ حيث تم عرض مسرحية مدتها ساعة، ظهر في بدايتها الشاعر العربي الجاهلي الأسطوري لبيد بن ربيعة وهو لا يزال شابًا، وألقى قصيدة من قصائده (بحسب الروايات لم يدخل لبيد الإسلام إلاَّ في فترة متأخرة، ومن الجدير بالذكر أنَّ هذا الموضوع لم تتم مناقشته في هذه المسرحية).
إلى ذلك يصف كرواتورو أحدى العروض المسرحية فيقول ظهر على خشبة المسرح مع موسيقى راقصة راقصون يرتدون ملابس غربية، أعلنوا عن أبطال المسرحية الحقيقيين، وهم: الكاتب الأمريكي اللبناني أمين الريحاني (1876 حتى 1940)، وزميله العربي نوفل والمستشرقان الفرنسيان الشهيران تشارلز هوبر وأنطوان-إسحاق سيلفستر دي ساسي، اللذان استعانا على خشبة المسرح بالريحاني فيما يخص قسمًا من قصيدة للشاعر لبيد.
ومؤلف هذا العمل المسرحي، الكاتب السعودي صالح زمانان، أرسل هؤلاء الأربعة في رحلة عبر الزمن. وفي ذلك التقوا بالشاعر المُسن لبيد، الذي واصل متفلسفًا عبر الشعر كتابة هذا القسم من قصيدته المكتوبة في سنوات شبابه.
وهذان المستشرقان الغربيان المعروضان في هذه المسرحية، وفق الصحفي الالماني واللذان يعتبران لدى المحافظين العرب من الشخصيات البغيضة، أثارا إعجاب الجمهور من خلال سعة اطلاعهما: وهذا التقدير الذي لقياه في الطائف على هذا النحو، ينطبق من دون ريب على كلِّ الغرب، الذي تحاول المملكة العربية السعودية التقرُّب منه ثقافيًا بحماس متزايد.