وضعت المملكة العربية السعودية ضمن أولويات رؤيتها المستقبلية الهادفة لانهاء إعتمادها على عائدات النفط زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج الإجمالي المحلي و خلق فرص عمل جديدة بعيدا عن قطاع النفط، غير أن هذه الأهداف الطموحة تواجه صعوبات وتحديات كبرى خاصة فيما يتعلق بطبيعة سوق العمل في المملكة والتي تستوجب إصلاحات جذرية لضمان تحقيق أهداف رؤية السعودية 2030.
مجلة هارفارد بيزنس ريفيو أورد في هذا السياق تقريرا أكدت فيه بأن خلق 450 ألف فرصة عمل جديدة في المملكة وزيادة مساهمة المرأة السعودية في سوق العمل وخاصة القطاع الخاص تعد أهداف طموحة وجريئة في السعودية غير أن تطبيقها يحتاج إلى ثورة في سوق العمل واصلاحات تطال كل تفاصيله .
أولى التحديات التي تنتظر الحكومة السعودية في سوق العمل، والتي تستوجب الاصلاح وفق المجلة هي تلك المتعلقة بالتكوين العلمي للكفاءات السعودية التي من المنتظر أن تشغل الوظائف المزمع خلقها حيث يعتمد النظام التعليمي السعودي في المدارس والجامعات على الأساتذة والمعلمين والكفاءات العربية من سوريا لبنان الاردن ومصر والذين تلقوا تدريبا على مفاهيم تعليمية عاشتها بلدانهم في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، لذلك فإن ما سيلقنونه ويقدمونه للطلبة السعوديين سيكون بعيدا عن واقع الاقتصاد العالمي و مايتطلبه سوق العمل السعودي مستقبلا.
إلى ذلك فإن عاملا آخر قد يكون مؤثرا جدا في تأقلم سوق العمل مع الاصلاحات والاهداف الطموحة المرسومة، وفق المجلة، ذلك الذي يتعلق بطريقة إدارة وتوظيف الموارد البشرية في القطاع الخاص في المملكة، حيث يعتمد السلم المهني وإسناد الترقيات على سن الموظف و عدد السنوات التي قضاها في العمل و هو ما يجعل إمكانية وصول أصحاب المؤهلات والكفاءات الشباب القادرين على شغل منصب معين بعيدا جدا عن المتناول ورهين الصدفة لا أكثر.
ناهيك أن الموظف السعودي وفق التقرير يتميز عموما بأنه يرفض تقبل النقد والنصيحة حال تقلده منصبا، لذلك فإن ما تقدم ساهم بدرجة كبيرة في هجرة أصحاب الشهائد العليا والكفاءات الشبان للبحث عن عمل يستجيب لتطلعاتهم المهنية في الخارج، كما من المنتظر بأن تساهم تدابير التقشف وتخفيض موازنة القطاع العام في هجرة الكفاءات من هذا القطاع الذي يعد حيويا وفق هارفارد بيزنس ريفيو .
غير بعيد عن ذلك فإن خطة إصلاح سوق العمل في السعودية لا يمكن أن تغفل أن 25 في المئة من سكان المملكة لم يتجاوزوا سن الخامسة والعشرين، وهي الشريحة الاجتماعية التي من المنتظر أن تمثل نواة سوق العمل خلال السنوات القادمة، غير أنها تعودها على مستوى استهلاكي مرموق وعلى رفاه سنوات الطفرة في أسعار النفط هو ما يجعلها تسعى للحصول على وظائف مكتبية نظرا لامتيازاتها الكبيرة للمحافظة على نمط ومستوى الإستهلاك الذي تعودته و في ذات الوقت بعيدة على ان تكون مؤهلة لتقبل العمل في أعمال حرفية مثلا وعلى ان تكون جاهزة للعمل في القطاع الخاص.
وفي ختام تقريرها تؤكد المجلة أن معرفة الحكومة السعودية لمكامن الخلل في سوق العمل واجراء إصلاحات هيكلية تطال معايير التوظيف والهيكلة وتأطير وتأهيل الكفاءات السعودية تعد ضرورة وعاملا مهما جدا لتحقيق أهداف رؤية السعودية 2030 الطموحة.