في إطار خطط بعض الدول العربية لتقليص نفقات المصروفات الحكومية صدرت قرارات لدمج المؤسسات والهيئات وحتى الوزارات الحكومية لمواجهة التحديات الاقتصادية والمالية الحالية من دون إلحاق الضرر بالقوى البشرية العاملة، ولم تكن المؤسسات الاعلامية الحكومية بمنأى عن قرارات الدمج وإعادة هيكلتها تنظيميا بعدما سبق ان تمت إجراءات الفصل لتقنين الصلاحيات والاختصاصات على ان يكون دور الوزارات رقابي والهيئات تنفيذي .
لكننا من واقع الاختصاص والممارسة الاعلامية ويشاطرنا الراي كثيرين من خبراء الاعلام ان الأهم من قرارات الدمج والفصل هو الاهتمام باختيار قيادات تلك المؤسسات وبالتخطيط الإعلامي وبصنع السياسات الإعلامية كأهم مدخلات العملية الإعلامية، حيث إنَّ مستقبل أي مؤسسة إعلامية يستلزم وجود القائد الذي يستطيع المواءمة بين أهداف مؤسسته الإعلامية وأهداف المجتمع، ولكي تنجح القيادة لا بدَّ أن تلازمها عملية التخطيط، وخاصة بعد أن تحول الإعلام إلى صناعة تتطلب استثمارات مالية ضخمة وتعدى تأثيرها الحدود في ظل توسع انتشار الوسائل الإعلامية.
وفي الكتاب الذي اصدرته تحت عنوان «القيادة الإعلامية»، سعيت إلى توضيح ملامح هذه القيادة ومقوماتها والعوامل المؤثرة فيها، ودور التخطيط الإعلامي في إنجاح المؤسسات الإعلامية وأهم الصعوبات التي تواجهه، مع تناول الاتجاهات العامة لسياسات الاتصال وممارساته في الوطن العربي.
ومن جملة ما ذكرت عن مقومات الشخصية القيادية في المؤسسات الإعلامية ان تكون ذات مواصفات سياسية أو تتفهم الخط السياسي للدولة، حتى تستطيع أن ترسم خطة إعلامية تتماشى مع سياسة الدولة وتحقق أهداف الخطة بأعلى كفاءة ممكنة، لكنني نبهت ايضا انه كلما كان اختيار عنصر القيادة في المؤسسة الإعلامية على اعتبارات سياسية زاد تدخل الحكومة في هذه المؤسسات، إلا أن الحكومة يمكن أن تقلل من ذلك التدخل باختيار عنصر قيادي كفء وذي خبرة واسعة وعلى وعي كبير بالمصلحة القومية في فهم إدارة شؤون هذه المؤسسات، فمستقبل التقدم في أي مؤسسة إعلامية يستلزم وجود القائد الذي يوائم بين أهداف المؤسسة الإعلامية، وأهداف المجتمع والبيئة الاجتماعية الكبرى التي تضمها.
و التخطيط الإعلامي ليس بعملية يسيرة فقد يواجه صعوبات أبرزها: عدم إشراك مخططي الإعلام في عملية وضع السياسات العامة والتخطيط التنموي. فتكون النتيجة أن يكون الإعلام مغيبًا تمامًا عن الحراك التنموي، وقد لا يعرف المخططون تمامًا بسبب نقص الأبحاث احتياجات الجماهير المستهدفة واتجاهاتها ورغباتها وعادات وأنماط تعرضها لوسائل الإعلام، فهناك نقص شديد في أساليب نقل احتياجات الجماهير إلى مخططي التنمية والإعلام، وفي أحيان كثيرة حتى إن وجدت البحوث لرصد احتياجات الجماهير فإنّ القائمين على التخطيط أنفسهم لا يبدون اهتمامًا أو استعدادًا لاستخدام تلك المعلومات.
وَمِمَّا لاشك فيه أن هناك ارتباط وثيق بين العملية السياسية وصنع السياسات في الدولة من ناحية ، ووسائل الإعلام من ناحية أخرى، فبفضل ثورة المعلومات بات من السهل الحصول على المعلومات في التو واللحظة. وهنا يبرز مصطلح«السياسة الاتصالية» والتي تعني مجموعة المبادئ والمعايير التي تحكم نشاط الدولة تجاه عمليات تنظيم وإدارة ورقابة وتقييم ومواءمة نظم وأشكال الاتصال المختلفة، على الأخص منها وسائل الاتصال الجماهيري؛ من أجل تحقيق أفضل النتائج الاجتماعية الممكنة في إطار النموذج السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تأخذ به الدولة.
والأساس الذي ينبغي أن تقوم عليه السياسة الإعلامية هو مبدأ ديمقراطية الاتصال، الذي يتكون من ثلاث ركائز هي: الحق في الاتصال والانتفاع والمشاركة، والذي بدوره يؤدي إلى الحد من السيطرة المبالغ فيها على وسائل الاتصال المختلفة أو على صياغة الرسائل الإعلامية بما يتيح مزيدًا من التعبير عن الرأي والرأي الآخر ويطلق ملكات الإبداع الفني والفكري. وتهيئة المناخ المناسب لقيام ودعم وسائل اتصال محلية أو لخدمة المجتمعات ذات الطبيعة الخاصة. بالإضافة إلى خلق مصادر جيدة ومتنوعة يستطيع المتلقي أن يلجأ إليها للحصول على ما يريد من معلومات، من خلال تنوع وتعدد مصادر المعلومات.
لقد تزايد الاهتمام في الآونة الأخيرة بقضية السياسات الإعلامية والاتصالية في تناول التخطيط الإعلامي، وذلك بهدف الدعوة إلى رسم سياسات مستقبلية تتسم بالتكامل ووضوح الأهداف، وتحديد المسارات وتوزيع المسؤوليات بالاستفادة من نتائج الممارسات السابقة والأهداف المحددة لخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما تأتي أهمية رسم سياسات اتصال شاملة من كونها الوسيلة المثلى لتحقيق قدر عالٍ من الفعالية للممارسات الإعلامية المختلفة، وتفادي التناقض أو التكرار أو كليهما، مما يؤدي إلى إهدار الموارد المالية والفنية البشرية.
وترتبط الاستراتيجية الإعلامية عادة بالاستراتيجية العامة للدولة ارتباط الجزء بالكل، فهي أحد روافدها وتنبثق منها، وتعمل مع غيرها من الاستراتيجيات النوعية على تحقيق الهدف الكلي والنهائي للدولة.لكن العبء الأكبر يلقى على عاتق السلطة التنفيذية ممثلة في المؤسسات الاعلامية الرسمية التي تتحمل مسؤوليات كبيرة في قطاع الاتصال، باعتبارها الجهات الوحيدة القادرة على إنشاء وتشغيل مرافق الاتصال، و تتميز بالمركزية الشديدة؛ سواء بالنسبة إلى التوزيع الجغرافي للوسائل أو بالنسبة إلى الإدارة، إلى جانب الاعتماد على المنتجات الإعلامية الخارجية لسد النقص في الإنتاج المحلي، ومحاولة الربط بين ممارسات الاتصال وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية للإفادة من النشاط الاتصالي في حفز المواطنين على المشاركة والدخول في عمليات التنمية والتحديث المنشودة .
@wejdanjassim
Sent from my iPad