يقترب ال 15 من فبراير لتحل معه ذكرى وفاة الملكة عفت التي يحفظ لها التاريخ دورا مفصليا في إحداث نقلة نوعية في المجتمع السعودي وخاصة في مكانة المرأة فيه لتستحق فيه رائدة حق المرأة في التعليم لقب الملكة الأولى والأخيرة.
في هذا السياق أورد الدكتور والباحث عبد الله المدني قراءة تاريخية في صحيفة الأيام لمسيرة الملكة عفت التي إمتزج فيها النضال بالعطاء والحب بالكفاح، وهي التي نذرت كل وقتها وحياتها للدفاع عن حق المراة السعودية في التعليم وعن مكانة وموقع أكبر لها في المجتمع.
معركة لم تكن بالسهولة بمكان لتلك للملكة العائدة من تركيا بعد وفاة والدها ، غير أن تسلحها بالصبر الذي نهلته من والدتها " آسيا هانم" التي اضطرتها ظروفها القاسية أن تستنجد بحرفة (الحياكة) تتقنها لتعول أسرتها بدلاً من أن تستجدي العون من الآخرين، بالاضافة إلى السند المعنوي الكبير الذي وجدته من زوجها فيصل الذي شجعها على نشر العلم في السعودية.
لم تكن الملكة عفت عند عودتها من تركيا لأداء فريضة الحج وحتى زواجها من الأمير فيصل بن عبد العزيز تتقن من اللغة العربية إلا القليل وهو عامل لم يثنها أبدا عن الدفاع عن أفكارها المتحررة التي إكتسبتها من دراستها في المدارس التركية الأولية والثانوية الأكثر تطورًا، ومن والدتها التي كانت نموذجا للصبر والكفاح والنضال.
بدأت عفت بعد زواجها من الأمير فيصل بن عبد العزيز معركة نشر فكرة تعليم المرأة السعودية "مدعومة بموقف زوجها لجهة السماح للمرأة السعودية بالتعليم وحقها في اختيار مسار مستقبلها، بافتتاح قسم لتعليم البنات إلى جانب قسم تعليم البنين داخل مدرسة الطائف النموذجية في عقد الأربعينات من القرن العشرين، لكن قسم البنات لم يستطع في حينه سوى استقبطاب عدد محدود من الفتيات بحسب رواية الأميرة لطيفة الفيصل التي درست في تلك المدرسة النظامية مع إخوانها وأخواتها."
دهاء الملكة عفت وحكمتها وصبرها في التغلب على الصعاب جعل حلمها يتحول إلى حقيقة، بعد أن نجحت بدعم من الفيصل في عام 1955 في تأسيس مشروعها الرائد المتمثل في مدارس "دار الحنان"، الذي أصبح مكانا فريدًا لصياغة التعايش بين مختلف طبقات المجتمع دون تمييز، وقد توقفت ابنتها الأميرة سارة عند هذه النقطة في حوار سابق مع مجلة عربيات الدولية حيث أكدت «ظلت تلك المدرسة بالرغم من كل المراحل الانتقالية التي مرت بها، وبالرغم من التطور الذي شهدته تضم بين جنباتها يتيمات دار الرعاية اللواتي كانت تتكفل برعايتهن، إلى جانب فئات إذا أردنا تصنيفها نجدها تتراوح بين محدودة ومتوسطة ومرتفعة الدخل، وبنات الأسرة الحاكمة، كما ضم ذلك المجتمع المتجانس السعوديات وغير السعوديات."
جهود وكفاح أثمر عن انتشار مدارس البنات الحكومية في كافة الربوع السعودية وإقبال المرأة السعودية على التعليم بحماس لخدمة مجتمعها ووطنها جنبًا الى جنب مع شقيقها الرجل. غير أن الشغف بنشر التعليم بين نساء السعودية، لم يثني الملكة عفت عن الاهتمام بأفراد أسرتها " فاعتنت عناية فائقة بتربية أبنائها وأبناء الملك فيصل الآخرين، ذكورًا وإناثًا، حيث أحضرت لهم مدرسين خصوصيين لتدريسهم اللغة العربية وعلوم الدين واللغات الأجنبية، كما غرست في نفوسهم قيم التواضع وحسن التعامل والوفاء وقول الحق والابتعاد عن التعالي والمظاهر الفارغة وطلب العلم إلى آخر العمر وغيرها من الصفات النبيلة التي نلمسها واضحة في سيرة ابنائها وبناتها الأحياء منهم والأموات."
لذلك لم يكن غريبًا أن يكرس أبناء الملكة عفت وبناتها حياتهم لنشر العلم والاستثمار في التعليم، حيث إفتتحت الأميرة سارة الفيصل مدارس التربية الإسلامية في الرياض، فيما قام الأمير محمد الفيصل بتأسيس مدارس المنارات الدولية في داخل السعودية وخارجها، كما أسست الاميرة هيفاء الفيصل المدرسة الفيصلية في مدينة الخبر.
و رغم وفاة رائدة تعليم المرأة السعودية عن سن الخامسة والثمانين إلا أن عطائها للسعودية لم يكن فقط في مجال التعليم، ذلك أن من مآثرها التي لا تحصى أنها عملت على إطلاق ودعم الجمعيات الخيرية وجمعيات الرعاية الاجتماعية قبل وقت طويل من تأسيس وزارة حكومية تعني بهذه المسائل، حيث "أسست في الرياض نادي فتيات الجزيرة الثقافي الذي تحول لاحقًا إلى «جمعية النهضة»، وأوكلت إلى بناتها وصديقاتها وضع اللوائح الأساسية لعملها، فراحت تلك الجمعيات تنظم الندوات والمحاضرات والرحلات، وتعتني بالأسر الفقيرة، وتمحي أمية النساء وتعلمهن اللغات، وتقدم الدورات المتقدمة في تعليم لغة «برايل» للكفيفات."