ضمن تعزيز العلاقات السعودية مع الدول الآسيوية، تأتي زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله لإندونيسيا، كالمحطة الثانية وقد شهدت هذه المحطة أيضا تفاعلاً كبيرا على المستويين الشعبي والرسمي مؤكدة على توثيق العلاقات، وواضعة قطار الاستثمارات الاقتصادية الضخمة في المنطقة على مساره، وكل هذا يأتي في إطار مساهمة جادة في تدشين انطلاقة كبرى تناسب المرحلة والظروف التي تشهدها المنطقة.
والكل يرى كيف أن التوجه السعودي الحالي لدول شرق آسيا بعقد الشراكات وبناء التحالفات يأتي كدليل واضح على التحول في ميزان القوة الدولية.
وهذا التوجه لا شك أنه سيحرك مياه الغل الراكدة، حيث ظهرت أصوات، تحاول النيل من صواب هذا التوجه، لا لشيء إلا أن التوازن في علاقات المملكة الدولية وبوصلة المصالح السعودية والتي يسعى الكثير لتحصيلها اتجهت بها القيادة شرقا في خطوة ذكية، لتنويع الشراكات كما وكيفا، بما يحقق القدر اللازم من الإمساك بحكمة بجميع خيوط المصالح مع كل الأطراف، لأن المرحلة تستوجب تنوعا في الشراكات بالقدر الذي يضمن التوازن المناسب للحفاظ على المصالح العليا لدولة محورية كالمملكة العربية السعودية.
العالم اليوم يشهد بروز القوة الاقتصادية لدول شرق آسيا، فقد تحولت هذه الدول الآسيوية من دول زراعية مستهلكة إلى دول صناعية منتجة، ونتيجة لذلك التحول أصبحت هذه الدول قوى اقتصادية منافسة للدول الغربية في التجارة الدولية.
والمملكة العربية السعودية بحكم الموقع الجغرافي المحوري المميز حيث تتمركز بمنتصف العالم بين الشرق والغرب، وما ميزها الله به من مكانة ومن بيئة مستقرة هي محط أنظار كل شراكة واستثمار استراتيجي جاد، لأن الكل يسعى للاستفادة مما توفر هذه المزايا والتي يأتي من بينها سهولة إرسال الصادرات النفطية لدول العالم، هذا بالإضافة إلى سهولة وسرعة وصول الواردات من تلك الدول.
ويتوقع خلال هذه الزيارات عقد شراكات في عدة قطاعات خاصة في مجال النفط والطاقة بما يحقق قفزة اقتصادية غير مسبوقة للبلدان المشاركة.
شراكتنا مع مصافي التكرير في ماليزيا واندونيسيا تعتبر شراكة اقتصادية مهمة جدا، خصوصا إذا أخذ في الاعتبار أن أغلب النفط القادم إلى آسيا لابد وأن يمر من مضيق ملقا في ماليزيا أو مضيق لومبوك في اندونيسيا.
والجدير بالذكر أن خلال العقدين الماضيين تضاعف الاقتصاد الإندونيسي، وأصبحت إندونيسيا تلعب دورا قويا في منطقة جنوب الشرق الآسيوي، إضافة إلى أنها عضو في مجموعة دول العشرين والتي تعتبر المملكة أحد أبرز أعضائها.
قطاعات النفط والغاز والتعدين وتشكل ثلث صادرات اندونيسيا، ولاشك أننا في انتظار أن يتم عقد صفقات ضخمة بين السعودية واندونيسيا، خلال العملاقين شركة أرامكو السعودية وشركة برتامينا ليكون من أول ثمار هذا التعاون تطوير مصافي التكرير، ومنها مصفاه "تشيلاتشاب" في جزيرة جاوة، وذلك لزيادة طاقتها الإنتاجية إلى 370 ألف برميل يوميا.
ومن الجدير بالذكر أن هذه المفاوضات قد بدأت منذ نهاية عام 2014، وتم توقيع إتفاق مبدئي في نوفمبر من عام 2015، ومازلنا ننتظر الإعلان عن التفاصيل النهائية لإتمام هذه الشراكة، مثل ما حصل من إعلان عن شراكتنا مع ماليزيا.
سعة الطاقة التكريرية لإندونيسيا تبلغ ما يقرب 1.1 مليون برميل يوميا، وهذا الرقم يخدم إنتاج المصافي في المقام، الأول السوق المحلي المتزايد، على الرغم من أن الطاقة التكريرية الحالية غير كافية لتلبية نمو الطلب، حيث أنها تستهلك يوميا نحو 1.7 مليون برميل من النفط، وتسجل ارتفعا بمقدار 1.3 مليون برميل من عام 2007 ، مما أدى إلى زيادة الواردات خلال السنوات القليلة الماضية. وهذا مؤشر واضح على أن هناك زيادة مضطردة في الطلب على مشتقات النفط، وتعطش لزيادة طاقة التكرير الاستيعابية لمصافي التكرير الإندونيسية مما يدل على نجاح تلك المشروعات بإذن الله.
ومن خلال بناء التحالفات وما سبقها من التفاوض بين ارامكو و برتامينا على عدة مصافي أخرى من الواضح أن اندونيسيا تهدف إلى زيادة إنتاجها ليصل الى ما يقرب من 1.7 مليون برميل يوميا، وذلك لتغطية الطلب المتنامي محليا، هذا بالإضافة إلى تأمين الإمدادات في المستقبل. وهذا ما سيضمن حصص بيع أكبر للنفط السعودي في هذه الأسواق.
هذا أيضا سيكون عاملا مساعدا في توسع أرامكو وتوغلها في السوق الآسيوي، وهذا أمر مهم وخطوة ليست بالسهلة لأن شركات النفط الغربية مثل شيفرون وكونو فليبس مسيطرة على السوق الاندونيسي من ناحية التصدير والإنتاج.
ولعل من المناسب أن أذكر بأن اندونيسيا تستورد 26 بالمائة من النفط من المملكة وتعتبر هذه النسبة هي الأعلى عند مقارنتها بما تستورده من حصص نفطية من الدول الأخرى.
ومن المنتظر أن تأثر الشراكات مع مصافي التكرير الماليزية والاندونيسية إيجابيا على استراتيجيات أرامكو السعودية التسويقية فتنتقل من مجرد بائع للنفط إلى مسوق للنفط، لتضمن مكان تليق باسمها واسم المملكة العربية السعودية ،فهي بذلك تضمن ذراعا ونافذة تسويقية قوية في ظل هذا التنافس الشديد في أسواق النفط!