ل كانت الكلمة التي ألقاها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الكونغرس الأميركي انتصارا له أو كارثة عليه؟ قد يعتمد الجواب على ما كان يريد تحقيقه، لكن ردود الفعل في واشنطن والبيت الأبيض تراوحت ما بين تشبيهه بـ«ونستون تشرشل» والإهانة. الجمهوريون، والصقور منهم على الأخص الذين يريدون الوقوف في وجه إيران، شبهوا نتنياهو بـ«تشرشل» ووصفوا كلمته بالرصينة. الديمقراطيون اعتبروها إهانة كما قالت نانسي بيلوسي زعيمة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب. لم يقصد نتنياهو أن يعكس سير المفاوضات الدائرة بين الولايات المتحدة والدول الغربية مع إيران، هو أراد التأثير أكثر على أعضاء الكونغرس، لذلك في كلمته رفع السقف عاليا جدا أمام الإدارة الأميركية كي يتأكد من أن الصفقة المتوقعة ستكون محكمة جدا لجهة تقييد إيران، أو أن الكونغرس لن يوافق عليها. الذين أيدوه في ذلك كانوا الجمهوريين والديمقراطيين المعتدلين المحتمل أن يعارضوا الصفقة. كان الحزبان أعدا قانونا يدعم فرض عقوبات متشددة على إيران، إلى جانب الجمهوريين هناك 12 ديمقراطيا مؤيدا لهذا القانون، بعد الكلمة قال ميتشل ماكونال (جمهوري) إنه سيدعو إلى التصويت كي يكون أمام الكونغرس فرصة 60 يوما للمراجعة. لكن الديمقراطيين المحتمل أن يؤيدوا القانون قالوا إنهم يفضلون الانتظار حتى 24 مارس (آذار) الموعد النهائي للمفاوضات مع إيران، لذلك لن يحدث أي شيء قبل ذلك التاريخ، لكن الرئيس باراك أوباما شن هجوما على الجمهوريين واتهمهم بأنهم مثل المتشددين في إيران، بعدما أرسل السيناتور توم كوتون و46 آخرون تحذيرا إلى إيران بأن الرئيس الأميركي المقبل قد يلغي الصفقة. يبقى أن نتنياهو بكلمته أمام الكونغرس قبل أسبوعين من الانتخابات الإسرائيلية، ومع معرفته بأنه سيعارض سياسة الرئيس أوباما الإيرانية، أبعد الكثير من الديمقراطيين السود فقاطعوا الكلمة. اعتبروها قلة احترام للرئيس، لكن من استمع إلى الكلمة أو قرأها لاحظ أنه أثنى على الرئيس والإدارة الأميركية لدعمهما إسرائيل، إنما رفع السقف كثيرا بالنسبة إلى الصفقة مع إيران، ووصف طريقة الإدارة بالمفاوضات مع إيران بالساذجة. هذا الوصف تتفق معه الكثير من دول المنطقة لكن رد الإدارة هو التالي: ما هي الخيارات؟ هناك خياران: محاولة التوصل إلى اتفاق مع إيران مع تأكيد الإدارة من جديد بألا اتفاق أفضل من اتفاق سيئ، والخيار الثاني: الحرب. وقالت الإدارة إن نتنياهو لم يقدم بديلا لهذين الخيارين. ولكن على ماذا يعتمد الرئيس أوباما بثقته المطلقة تجاه نيات إيران؟ يقول جاي غازال المراقب لأعمال الكونغرس في واشنطن، إنه لا يعتقد بأن الرئيس يثق بالنيات الإيرانية، فالمسؤولون في الإدارة يقولون: إن «تفكير» الرئيس وليس «سياسته»، يرى أنه من الأفضل التوصل إلى اتفاق وإبعاد المسألة النووية عن المسرح، وعندما تمر – لا أعرف إذا كان هذا أملا أم استراتيجية – فإن الحكومة الإيرانية ستكون مختلفة. هو لا يعتقد بأن هناك أي بديل عن الصفقة إلا العمل العسكري، ويرى أن الاتفاق أفضل من المقاطعة. لكن هل تشديد المقاطعة يجنب العمل العسكري؟ يعتقد بعض أعضاء الإدارة بأن هناك حاجة لأكثر من ذلك، ويقول آخرون إن البديل الوحيد هو العمل العسكري. يرى غازال أن الرئيس يحاول أن يجد طريقة لجعل الإيرانيين يقدمون على العمل الصحيح، هو يتطلع إلى شراء الوقت الإضافي في المفاوضات اعتقادا منه بأن هذا يساعد الإيرانيين أو المجتمع المدني هناك، وآخرون لفرض التغيير من الداخل. «هل هذه سذاجة؟ لا أعرف». يتفق الكثير من المراقبين على أن تهافت الرئيس الأميركي على تحقيق صفقة مع إيران، أثرت على السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة، الأمر الذي سمح لإيران بتحقيق مكاسب كثيرة وأصبحت بالتالي قوة أكثر خطرا. حتى الجنرال مارتن ديمبسي رئيس الأركان صارت تصريحاته تناقض بعضها البعض. لم يعرف أحد إذا كان ما قاله الجنرال الأسبوع الماضي جاء من خارج النص أم لا، إنما كثيرون هزوا رؤوسهم غير مصدقين، هو ناقض نفسه، إذ قبل أسبوعين قال إن إيران و«داعش» يشكلان خطرا على الأمن القومي الأميركي، وقال الأسبوع الماضي، إن تدخل إيران في العراق، إذا ساعدنا للتخلص من «داعش»، فليكن. تساءل الكثيرون أين يقف الجنرال ديمبسي الذي عاد ليقول إنه ذاهب إلى العراق ليعرف ما يجري، وكأنه لا يدرك أن الإيرانيين لا يساعدون الأميركيين بل يساعدون أنفسهم. أرسلوا 30 ألفا للقتال في تكريت بينهم فقط ألف سني، وقالوا، سنعيد لاحقا المنطقة للعشائر السنية. ثم في 8 من هذا الشهر كشف مستشار الرئيس «المعتدل» حسن روحاني عن الطموحات الحقيقية لإيران، إذ قال علي يونسي: عادت إيران إمبراطورية تضم دولا تمتد من الصين حتى شبه القارة الهندية، وشمال وجنوب القوفاز و«الخليج الفارسي» حتى عمان. ثم قال «إن العراق (عاصمتنا) اليوم كما كانت في الماضي». وأضاف: «أننا نحمي مصالح شعوب المنطقة، لأنهم كلهم شعوب إيران». وعودة إلى كلمة نتنياهو يقول غازال: كانت الكلمة قوية ومكتوبة بشكل جيد، وبالنسبة إلى نتنياهو ستكون النتيجة: الكسب، ثم الكسب ثم الكسب. لأنه إذا تم التوصل إلى صفقة جيدة يمكنه القول إنه ساعد في جعلها صفقة أقوى وأفضل، وإذا لم يتم التوصل إلى صفقة، سيأخذ هو الفضل في «قتلها». على الأقل، مؤقتا وسياسيا إنها كسب له على الصعيد الداخلي لإعادة انتخابه. يضيف: الخلاف ليس بسبب إيران، قالت بيلوسي إن «الكلمة كانت مهينة وكأننا لا نعرف أخطار إيران». الخلاف على الأسلوب وأن رئيس المجلس جون باينر اتفق عليها من وراء ظهر الرئيس. من جهة أخرى، قال البعض إن الهدف الآخر كان لشد أصوات يهود أميركا إلى صف الجمهوريين، لأنه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة صوت 70 في المائة منهم لصالح أوباما. أيضا هناك مشاعر من عدم الاحترام المتبادل ما بين أوباما ونتنياهو، لكن أغلب أعضاء الكونغرس بمن فيهم الديمقراطيون يقولون إن العلاقات الاستراتيجية بين أميركا وإسرائيل تتجاوز كل هذا. وكان بعض الديمقراطيين غير المؤيدين لنتنياهو ذهبوا إلى الكونغرس أثناء كلمته، لأن العلاقة بين إسرائيل وأميركا تتفوق بنظرهم على كل رئيس أميركي، وعلى أعضاء الكونغرس وأعضاء الكنيست، ولأن «العلاقات ستستمر قوية للسنوات المائة المقبلة» كما يقول غازال، ويشير إلى أن السيناتور ديك دوربن (الديمقراطي الثاني في مجلس الشيوخ) كان حتى مساء الاثنين قبل الماضي غير مقرر الذهاب، لكنه ذهب احتراما للعلاقات ما بين الدولتين. قد يشعر الرئيس أوباما أنه بالنسبة لعرقلة الصفقة مع إيران يحتاج الكونغرس إلى الحصول على ثلثي الأصوات لتجاوز قراره، وقد يكون الأمر صعبا. يوضح غازال: في مجلس الشيوخ هناك الحاجة إلى 67 صوتا. هناك الآن 55 جمهوريا إضافة إلى 12 ديمقراطيا، الذين يدعمون مشروع قرار فرض عقوبات أكثر تشددا على إيران. إذن الأصوات متوفرة. لكن السياسة تتدخل دائما ويلجأ البيت الأبيض للي الأذرع، خصوصا عندما يكون هناك تجاوز لقرار الرئيس. هناك أمر مثير، أنه أثناء زيارة نتنياهو إلى واشنطن المليئة بالتحدي، تقدمت إسرائيل بطلب 300 مليون دولار إضافية كمساعدة عسكرية. هذا إضافة إلى طلب سابق هذا العام قيمته 350 مليون دولار للقبة الحديدية. ويقول البنتاغون إنه مقابل كل دولار ندفعه للخارج نقتطعه من ميزانيتنا. هو أيضا يرفع السقف. في النهاية يبرز دور السفير الإسرائيلي في واشنطن رون ديرمر الذي كان أساسيا في تنسيق هذه الزيارة. يسمى في واشنطن بأنه رجل نتنياهو وله خط مباشر معه. الزيارة كبلت دوره كسفير وقد تكلفه مستقبله السياسي. يقول البعض في واشنطن إن ثمن تصحيح العلاقة قد يكون بسحب ديرمر، من غير المستبعد أن يطرده نتنياهو، العلاقة بينهما وثيقة، وكما يقول غازال «لا أحد يعرف ماذا سيفعل نتنياهو وهو يشكل حكومة الائتلاف المقبلة في إسرائيل. السفير فقد ثقة الكثيرين في الإدارة». *نقلا عن "الشرق الأوسط"