تقارير إعلامية بدأت بالتزايد في الآونة الأخيرة في عدد من الصحف الغربية، حول ظهور بوادر وعلامات التصدع والتوتر الداخلي لتنظيم داعش وتزايد حالات الانشقاق بين أفراده، وكونه بدأ يهترئ من الداخل ويصارع من أجل الحفاظ على سمعته التي صنعها بعناية كقوة مخيفة، بعد تزايد التوترات والخلافات بين عناصره المحليين ومقاتليه الأجانب، ومحاولاته الفاشلة في إجبار المدنيين المحليين على الانضمام إلى صفوفه للقتال في الجبهات الأمامية، والهجمات التي يتعرض لها من مليشيات مسلحة أخرى، وأن حال الانسجام بين عناصر التنظيم تتلاشى شيئًا فشيئاً في ظل الإنهاك الذي أصاب التنظيم من القتال على أكثر من جبهة. تقارير أخرى، تشير إلى أنه مع تكثف الضربات الجوية للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش في العراق وسورية، تزايد عدد مقاتلي التنظيم الراغبين في ترك القتال إلى جانبه، والعودة إلى أوطانهم، وهو ما أدى إلى قيام داعش بحسب المرصد السوري إلى تصفية أكثر من 150 عنصراً من أعضائه خلال الأشهر الماضية، معظمهم من الأجانب الذين كانوا يأملون بالعودة إلى بلادهم، إلى جانب أن كثيرين منهم إما رحلوا، أو يحاولون المغادرة في ظل ازدياد شعورهم بخيبة الأمل، وفي المقابل فإن بعض المراكز البحثية في الغرب تفيد بأن نحو 30 في المئة من مقاتلي «داعش» الأجانب -البالغ عددهم نحو 20 ألفاً- بموجب إحصاءاتهم يرغبون في العودة إلى بلادهم، وهو ما جعل التساؤل الحاضر في خضم تدفق هذه المعلومات والتقارير: هل تفعل الخلافات الداخلية بداعش ما لم تفعله غارات التحالف الدولي؟ وهل التنظيم قد بدأ يتعرض للانهيار التدريجي من الداخل؟ وهل بات أكبر خطر وتهديد يواجه قوة التنظيم هو من داخله؟ وهل التحدي الرئيس الذي يواجهه داخلي أكثر منه خارجي؟ ربما وجود حالات من الانشقاق والخلاف بين أعضاء داخل التنظيم بشكل محدود نسبياً مقارنة بعدد عناصره، وفقدان السيطرة على بعض مواقعه، هو أمر متوقع تجاه تنظيم يعاني المزيد من الضغوط العسكرية، نتيجة الجبهات القتالية المتعددة، وكذلك وقوع الاختلاف في وجهات النظر بين العنصر الأجنبي في صفوف التنظيم، سواءً أكانوا من أصول غربية أم لا، وتمييزهم بالعطايا والرواتب في مقابل العنصر المحلي (العراقي والسوري)، إلا أن ذلك لا يعني أن بداية النهاية للتنظيم قد أصبحت مرهونة بهذه الاختلافات والانشقاقات، فمن جهة الأرقام التي تتحدث عن حجم وعدد الانشقاقات داخل التنظيم، نجد بإزائها أرقاماً دولية معلنة تشير إلى مدى قدرته واستمراريته في التجنيد والاستقطاب؛ للتعويض عن خسائره، فعلى مدى شهر شباط (فبراير) الماضي، أعلن رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس أن حوالى 10 آلاف أوروبي قد ينضمون إلى «داعش» بحلول نهاية 2015، وأفاد المركز الوطني لمكافحة الإرهاب المعني بمهمة التنسيق المعلوماتي بين أجهزة الأمن والاستخبارات الأميركية كافة أن قدرات التنظيم الدعائية هي في تزايد مستمر، إذ نشر نحو 250 منتجاً رسمياً على الإنترنت منذ كانون الثاني (يناير) الماضي، وكذلك قال رئيس الاستخبارات الأميركية جيمس كلابر، الأسبوع الماضي: « تنظيم داعش لا يزال -كما نرى- يمثل تهديداً كبيراً عنيفاً. لقد حققنا بعض النجاح في التخلص من قيادات التنظيم، لكن حلت محلها قيادات أخرى» أي أن التنظيم لا يزال حتى الآن يمتلك قدرة كبيرة في التجنيد والاستقطاب وعلى تعويض الانشقاقات التي تقع داخله عبر ضم مجندين جدد، ولاسيما في ما يتعلق بالمقاتلين الأجانب الذين يشكلون عصباً رئيساً في العمليات الانتحارية للتنظيم، وإظهار حجم الدعم والتأييد الذي يتلقاه على مستوى العالم وليس على المستوى المحلي، وإذا كان «داعش» يسعى إلى تعويض خسائره البشرية، فإنه حتى على الصعيد العسكري -وعلى رغم تكبده خسارة فادحة في تكريت والتي قد يتم تحرير معظمها من تحت سيطرته في أقرب وقت- يربح ويكسب ما هو أهم وأخطر من خسارته هذه، وهو تسعير حالة الحرب الطائفية. ففي ظل تحذير رئيس هيئة الأركان الأميركية مارتن ديمبسي من احتمال تفكك التحالف الدولي في حال عدم قيام الحكومية العراقية بحل وتسوية الخلافات الطائفية فإن التنظيم يستغل بكل الوسائل الترويج عن نفسه مدافعاً وحامياً للمكون السني، في وقت يواصل فيه المكون الشيعي بمليشياته تثبيت سيطرته ونفوذه بالاستناد إلى الدعم والرعاية الإيرانية له، وأن الهوية السنية في خطر جراء التمدد الإيراني، إذ تضع عموم السنة أمام خيار تفضيل البقاء تحت سيطرة «داعش»، على البقاء تحت هيمنة الميليشيات الشيعية، وهو ما يجعلنا نؤكد أن القضاء عليه لا يمكن أن يكون عبر حرب ناقصة ومتحيزة، ومن ثم حرب مشوهة، ولا يمكن أن يكون إلا بواسطة إستراتيجية واضحة وشاملة للتصدي للإرهاب، وأن تتضمن هذه الإستراتيجية خريطة طريق قابلة للتحقيق لمعالجة الصراع السوري الأوسع. فالإرهاب اليوم ليس معنياً بـ«داعش» فقط، هو جزء من الكل، وهو مشكلة، لكنها ليست كل المشكلة، هو طرف رئيس في ظاهرة إرهاب تضرب المنطقة وتهدد العالم، وما خلق وحش «داعش» الذي استطاع أن يملأ الفراغ الاستراتيجي في سورية والعراق ويمتلك حاضنة سنيّة، قبلت به اضطراراً، لا اختياراً إلا نتيجة القمع والإبادات الجماعية والممارسات الطائفية، وصمت المجتمع الدولي وعجزه عن إيجاد حلول للأزمة الإنسانية الكبيرة في سورية. * نقلا عن "الحياة"