لا أحد يستطيع قراءة العالم بالنيابة عنا لأنه يوجد عندنا القيادة الرشيدة والرجالات والمفكرين، حتى في ظل غياب المؤسسات البحثية السعودية المتخصصة في الطاقة للحصول على المعرفة المتراكمة التي يجب أن تكون الأساس في إتخاذ قرارات الطاقة الإستراتيجية.
كما ذكرنا في مقالات سابقة، أسعار النفط الحالية لا تعكس أساسيات اسواق النفط القوية التي وصلت الى التوازن بعد عودة أوبك لإدارة السوق بنجاح، ولكن سعر خام برنت لا يزال يتحرك في نطاق ضيق جدا من عدة اشهر وبالكاد تخطى حاجز الخمسين دولار بالرغم من كل المعطيات القوية من قلة المعروض في ظل تراجع الإمدادات بعد نجاح اتفاقية منظمة أوبك لخفض الإنتاج، والتراجع السريع في المخزونات النفطية عالميا. وأخيرا الاضطراب في أسواق النفط بعد تأثير الأعاصير على قطاع الطاقة الأمريكي وتعطل مصافي التكرير ومرافق الإنتاج وموانئء الاستيراد والتصدير! ومع كل ذلك لم نرى تأثير ذلك على أسعار النفط التي مازالت عند مستويات غير عادلة للمنتجين!
إذا هناك سؤال محوري وهو ... إلى متى ونحن ننتج النفط وننتظر غيرنا أن يسعر لنا ما ننتجه؟! أليس من بديهيات الإقتصاد والتجارة أن يكون لنا الحق في أن نسعر ما ننتجه ونحن أكبر مصدر للنفط الخام في العالم؟!
اذا لماذا لا نستخدم مؤشر سعودي لتسعير النفط، ولماذا لا نبدأ بورصة سعودية للنفط، بدل من آلية التسعير الحالية المشتقة من مؤشرات أسعار الخام العالمية.
آلية التسعير هذه بالمرجعية الى مؤشرات العقود المسعر بها النفط حاليا ممتدة منذ قرابة 30 عام! ومؤخرا ظهر جليا انها لا تعكس أساسيات السوق ولا تعطي سعر عادل للنفط حتى في ظل الفوضى التي ضربت قطاع الطاقة الأمريكي بعد إعصار هارفي والذي يحاول المضاربون والإعلام النفطي الغربي الإيعاز بضعف الطلب لإغلاق المصافي!
وهذا غير صحيح لأنه حتى وإن أوقفت مصافي التكرير الطلب من جراء الاعصار، فإن استهلاك الطاقة لن يقف ولن يقل، بل وعلى العكس سيزيد إلى أن ترجع الأمور إلى طبيعتها! ولذلك فكان من المفترض أن تتجه أسعار النفط للإتجاه صعودي حاد جدا لتعكس هذه المعطيات!
تغيير آلية التسعيير ليست بالشيء المستحيل، فقد تم تغيير آلية التسعير في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وايضا عام 2009 تمت آخر عملية لتسعير النفط السعودي المباع لأمريكا وتم التخلي عن مؤشر خام تكساس (نايمكس) لتسعير صادرات الخام السعودي لأمريكا واستبدلناه لصالح سلة من خامات خليج المكسيك، بسبب طبيعة إنتاج خام غرب تكساس وتجمعه في خزانات كوشنق أوكلاوهوما وهي منطقة مغلقة لا تطل على السواحل ولا مناطق تركز مصافي التكرير.
ومن البديهيات أن نسعر السلعة التي ننتجها ونضع السعر المناسب الذي ينعكس على متطلبات الوطن والنمو الاقتصادي! فمثلا جميع مصنعي السيارات في العام يضعون أسعارهم بدون أن يتدخل أحد أو أن يفرض أحد عليهم تسعيرة معينة لظروف معينة أو أجندات معينة! ولا نرى العرض والطلب وتجار السلع المتداولون (Brokers) يتدخلون في التسعير! ولا حتى هناك أي دور للمضاربين (Speculators).
وأيضا لم نرى أي تدخل من الإعلامي النفطي الغربي للتأثير على أسعار السيارات العالمية حتى بعد فضيحة التلاعب باختبارات انبعاثات العوادم من فولكس فاجن!!
فهل تتأثر تسعيرة صانعوا السيارات بالمضاربين الذين جل مايملكون هو شاشات بلاستيكية بها ارقام تؤدي إلى مؤشر واحد وهو ربحيتهم فقط! ويتحكم هؤلاء المضاربون بأسعار النفط صعودا وهبوطا بناء على مصالحهم فقط بغض النظر عن أساسيات السوق ومعنوياته! وبغض النظر عن توازن العرض والطلب والذي تبذل المملكة جهودا لا يضاهيها احد لتوازن الأسواق وتلبية الطلب المتنامي على العرض!
هل يعقل أن تتحرك أسعار النفط في نطاق ضيق عند الخمسين دولار بعد اتفاقية أوبك التاريخية مع مستويات امتثال عالية! وهنا لا أحد يستطيع أن ينكر سياسات الطاقة الثابتة في مملكة الحزم! ومن المؤسف ان جهود خفض الإنتاج لم تؤثر على اسعار النفط بالقدر النسبي الذي اثرت فيه عام 2008 حتى وان كان التخفيض اكبر ولكن هذه الاتفاقية تشمل روسيا!
دورنا الريادي محط أنظار الجميع، فالكل يتبع تسوية الأسعار الشهرية من ارامكو السعودية لكي يضبط أسعاره عليها، وبالتالي فالكل سيتبع النفط القياسي السعودي، إذا لماذا لا نوظف رؤية 2030 ونبدأ بالعمل لإنشاء أسواق للمضاربات النفطية الورقية (بورصة سعودية) وهذا سيجعلنا نقود العالم في تسعير نفطنا كنفط قياسي، وينشئ سيولة ضخمة تساعد في النمو الاقتصادي، بدلا من متابعة النفوط القياسية العالمية وعقودها الآجلة المتحكمة في تحرك الأسعار؟!
المملكة ستقود العالم بالتسعير العادل المنصف .... ففيها تصون العهود الذمم!! أم هل لا يزال من المقبول أن ننتج وننتظر من غيرنا تقييم الأسواق بإجحاف ووضع التسعيرة النفطية لها؟!
د. فيصل مرزا
مستشار في شؤون الطاقة وتسويق النفط، مدير دراسات الطاقة في منظمة أوبك سابقا