(أحوال)- ما زال النظام التعليمي في تركيا، وفي ظل حُكم الرئيس رجب طيّب أردوغان، يُواصل تحوّله من نظام علماني مُنفتح ومُتسامح، إلى نظام مُتشدّد حتى في مناهج الصفوف الابتدائية لأطفال ما زالوا في عُمر الورود.
وتكفي الإشارة إلى أنّ أحمد حمدي جاملي عضو لجنة التربية الوطنية ونائب حزب العدالة والتنمية الحاكم، قد علّق على مفهوم الجهاد الذي أضيف حديثا في المنهج الدراسي التركي، قائلا "لا فائدة من تدريس الرياضيات لطفل لا يعرف الجهاد".
الأكاديمية والباحثة التركية مايا اراكون كشفت في"أحوال تركية" عن أنّ الارتباك والتخبّط من قبل القائمين على العملية التعليمية والتربوية في تركيا، ساهم في ارتفاع عدد المدارس الخاصة ومدارس الأئمة والخطباء. وبينما يزداد التعليم سوءاً، فقد تمّ إهمال التعليم الموحد (للفقراء والأغنياء) والمجاني.
كذلك في عام 2017، وبتوجيهات من حزب العدالة والتنمية الحاكم، فقد تمّ إزالة نظرية النشوء والارتقاء من المنهج الدراسي، وأٌضيف موضوع الجهاد إلى المنهج تحت عنوان "العبادات الأساسية". والابتعاد تماما عن كل ما هو علمي.
وبرأي اراكون، فقد تسببت آلية اعتماد نتائج نظام المرور من المرحلة الابتدائية للمرحلة الإعدادية، بفتح الباب واسعا أمام إرسال الطلاب الذين لم ينجحوا لمدارس الأئمة والخطباء.
وانتقدت استمرار اعتقال المدرسين في تركيا بتهمة الدعاية للمنظمات الإرهابية، وخصوصاً في أعقاب محاولة الانقلاب على إردوغان العام الماضي، ولذلك تسعى الحكومة لتعيين بدلاً منهم المدرسين الذين يستوفون شرط: "العمل على التعليم البشري الذي يحارب الشيطان بتوجيه من القرآن والسنة". بل وفتح كادر لأقاربهم أيضاً.
وذكر موقع "أحوال تركية"، أنّه قبل تطبيق النظام التعليمي الجديد في تركيا، كان عدد الطلاب في 537 مدرسة ثانوية دينية في العام الدراسي 2012، 270 ألف طالب، ولكن في العام الدراسي 2016 – 2017 ارتفع عدد هذه المدارس إلى 1408 مدرسة وعدد الطلاب إلى 635 ألف طالب. وعند إضافة 122 ألف طالب يدرسون بالمدارس الدينية نظام التعليم المفتوح، يصل عدد الطلاب الذين يدرسون فى جميع المدارس الدينية بتركيا إلى 757 ألف طالب.
كما كشفت الكاتبة والباحثة التركية بيرجان ديرمنجي عن أنّ السلطات التركية عملت مؤخراً، على إغلاق أكثر من 5000 جمعية ومدرسة ونقابة وجامعة ومؤسسة إعلامية في المناطق الكردية لوحدها، كما قامت مجالس الوصاية التركية التي شكلتها باستبدال دور الحضانة والرعاية النهارية التي كانت تهتم بتعليم الأطفال الأكراد لغتهم الأم بكتاتيب القرآن.
كشفت شبكة "أحوال تركية" في تقارير بحثية لها عن أسباب تردي النظام التعليمي في تركيا، لدرجة أنّ أندرياس سكليشر مدير بيسا (البرنامج الدولي لتقييم الطلبة، الذي تُشرف عليه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية)، قال مُخاطباً المسؤولين الأتراك: "نظام التعليم التركي لا يلائم العالم.... وما تُدرّسونه الآن ليس مُجدياً". وأكد أنّ تركيا إحدى الدول التي يُعاني فيها المعلمون من أوضاع سيئة.
واختبار "بيسا" هو اختبار يُجرى مرّة كل ثلاث سنوات، يدخله الطلاب البالغ أعمارهم 15 سنة في جميع أنحاء العالم، حيث يجري امتحانهم في مجالات الرياضيات والعلوم والقراءة.
وأوردت الباحثة والأكاديمية التركية مايا اراكون أنّه ووفقاً لنتائج بيسا فإنّ الطلاب الأتراك هم الأقل مستوى في متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في تلك المجالات الرياضيات والعلوم والقراءة، علماً بأنّه قد تمّ إجراء الاختبار بين 540 ألف طالب في عُمر 15 سنة ينتمون إلى 72 دولة.
وذكرت أنّه، وفي إحصاءات تمّ نشرها مؤخرا، فإنّ الراتب السنوي للمُدرّس في الولايات المتحدة يتجاوز 140 ألف دولار، وفي اسكتلندا 145 ألف دولار، وفي الدانمارك 160 ألف دولار، وفي كندا 170 ألف دولار.
أما الراتب السنوي للمُدرّس الأعلى درجة في تركيا فقد تقرّر أن يصبح حوالي 42 ألف ليرة بدءا من عام 2018 (أقل من 11 ألف دولار).
وبحسب الاتحاد العام لنقابات العمال الأتراك، فإنّ حد الفقر لأسرة مُكوّنة من أربعة أفراد في تركيا هو ما يُقارب 5000 ليرة للعام، أي أنّ المُعلّمين الأتراك يعيشون تحت خط الفقر للعام 2017، وسيبقون كذلك حتى مع الراتب الذي سيحصلون عليه بحلول عام 2018.
وكشف اتحاد نقابات موظفي القطاع العام في دراسة له أنّ الفقر دفع 900 ألف طفل في تركيا إلى العمل، كما أنّه وبحسب جمعية تعليم الأم والطفل، فإنّ الأطفال الأتراك يُعانون من عدم المساواة في فرص التعليم، فمن بين كل عشرة أطفال في عمر السادسة يبقى أربعة أطفال قبل سن التعليم الإلزامي خارج المدرسة.
وفي السنوات الـ 15 الأخيرة في ظل سيطرة حزب العدالة والتنمية على الحكم، فقد واصلت نسبة التحاق الفتيات بالتعليم الثانوي تدنيها السريع، حتى بلغت نسبتهن بالتعليم الثانوي في عموم تركيا حوالي 80% بالمائة.
ورأت مايا اراكون أنّ الظروف المادية السلبية تؤثر على الحالة النفسية للمعلمين بشكل كبير. ونقلت حقائق مُهمة عن "دراسة استطلاع آراء المعلمين بشأن أوضاعهم الاقتصادية" التي أجرتها نقابة قطاع التعليم والتربية، حيث تبين أنّ: (83%) من المعلمين يرون عدم كفاية رواتبهم، (74%) منهم يرون تضاؤل احترام المجتمع وتقديره، (86%) يرون أنهم لا يمتلكون ظروف عمل مماثلة لما لدى المعلمين في الدول المتقدمة، (73%) غير مُتحفزين ولا متشجعين لأداء وظائفهم بشكل تام، (52%) من المعلمين يعيشون مشاكل نفسية بسبب عدم كفاية رواتبهم وعجزها عن الوفاء بمتطلباتهم. ويذكر (50%) منهم أنه ربما يترك عمله بالتدريس إذا ما وجد عملاً آخر في أيّ مجال، فيما يتخوف (52%) من التربويين والمعلمين من الإبعاد والفصل من العمل.
وأكدت اراكون أنّ المعلمين الأتراك الذين يعملون في مراحل التعليم الأساسي يتقاضون رواتب غير كافية، ويشرحون الدروس للطلاب في ظروف غير مناسبة وفي فصول مزدحمة، ولا يُمكن بالتالي أن يُطلب منهم تطوير أنفسهم وأداء وظائفهم بكفاءة كاملة غير منقوصة. ويستحيل على تركيا أن تنافس العالم بهذا النوع من الموارد ورأس المال البشري.
ويتساءل خبراء اقتصاديون: كيف يُتوقع حدوث أي نوع من النهضة والتنمية حيث لا يوجد إنتاج للمعلومات والمعرفة؟ ويرون أنّ تردي وتزايد انحطاط أسلوب عمل المجتمع تدريجيًا إنما هو نتيجة لهذا الوضع القائم، لأنه وكما أن الفرد لا يحصل على تعليمه المهني بشكل صحيح، فهو كذلك لا يمتلك المعرفة والمهارة التي تجعله يؤدي وظيفته وواجبه داخل المجتمع.
من جهة أخرى، وحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإنّ تركيا فقدت بين عامي 1985 – 2000 نسبة (4.6%) من نُموّها بسبب عدم المساواة في الدخل، والذي يؤدّي بدوره للتقليل من فرص تعليم الفئات المحرومة.
ووفقا للمنظمة، فإنّ توزيع الدخل في البلدان الأعضاء وصل ذروة اللاعدالة على مدى السنوات الثلاثين الماضية، حيث تحتل تركيا المركز الثالث بعد تشيلي والمكسيك، وترى أنّ سبب فقر هذه الدول هو عدم شفافية ومساءلة وتعددية المؤسسات السياسية والإدارية والاقتصادية التي تتمتع بها الدولة.
وقد تجاوزت تركيا دول المنظمة الـ 34 بمعدل الفقر البالغ (28.5%) في الفئة العمرية (1– 17 سنة)، وهذا الفقر يحرم الأطفال والشباب من أي نوع من الفرص لتغيير حياتهم، وبشكل خاص التعليم المؤهل والصحة والعمل والبيئة المناسبة.
الباحثة نسرين ناس الناشطة في الشؤون التركية، ذكرت أنّه وبحسب تقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تواصل تركيا تدهورها الاقتصادي على الصعيد الفردي حيث يزداد عدد الفقراء نتيجة لتفاوت الدخل بشكل كبير، كما أنّ عدم المساواة في الدخل يُقلل من فرص تعليم الفئات المحرومة. كما إنه يُقلل من تواتر تغيرات الفصول الدراسية. فالأفراد لا يستطيعون تطوير مهاراتهم لا يمكنهم خلق قيم مضاعفة.
من جهتها كشفت الباحثة والأكاديمية التركية مايا اراكون، الخبيرة في مجال التعليم، عن تحويل الأطفال إلى حقول تجارب للمناهج المختلفة، حيث يتم تغيير نظام التعليم الأساسي كل عام في تركيا.
وذكرت أنّه في الـ15 سنة الأخيرة فقد تمّ تغيير 7 وزراء للتعليم القومي. واليوم فإنّ (80%) من ميزانية وزارة التعليم القومي تذهب مباشرة إلى نفقات الموظفين، وليس لإجراء البحوث وتطوير التعليم.
كما ويتم شرح قصص مُخيفة في الكتب التي يتم تدريسها للأطفال الذين يبدأون المرحلة الإبتدائية. وكتاب الحكايات الذي يحمل اسم "زهور الضحك" الذي يدرس للصفين الثاني والثالث الابتدائيين هو أحد هذه الأمثلة. وفي صفحة من صفحات الكتاب التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي يتم حكاية قصة طفلة بعدما رأت مشهد طفل مقطوع الرأس ويتم طبخ رأسه في طنجرة. كما وتحتل الكتاب كلمات مثل "لن يدخل لحم أخي فمي"، و"اجمع كل العظام وادفنها تحت شجرة الورد".
ورغم كل ذلك، تستغرب الباحثة مايا اراكون هذا الوضع وتقول: "تعلمون أنه لدينا - نحن الأتراك - اعتقاد غريب بأن كل ما أنجزه العالم أجمع هو بفضلنا نحن. نحن الأفضل والدول المجاورة هي الأسوأ. لذلك هم ينتقدوننا دائما فى كل ما يخص حقوق الإنسان، والديمقراطية، والحريات".
لكنّ الجميع يعلم بشكوك منظمة الأمن والتعاون الأوروبي، ويمكن لأى شخص في الدنيا يستطيع القراءة والكتابة أن يعلم أن تركيا هي ثالث أكبر دول العالم في استغلال الأطفال. بجانب زيادة نسبة العنف في تركيا بنسبة تصل لـ (1400%) في الخمس عشرة سنة الأخيرة - في حكومة حزب العدالة والتنمية.
وتتساءل اراكون "ألا تُستخدم كل أنواع العنف تحت مُسمّى "التربية والتعليم"؟ وعندما ننظر إلى الصحف في الصباح، نقرأ: "خلال الحفل..، تم وضع الخنازير التي اصطادها الصيادون بشاحنة، وتم تمريرها في ساحة الاحتفال، وعرضها أمام المشاهدين". ليرى الجميع هذا المنظر. وليصبح القتل والذبح أمرا طبيعيا، ومشروعا بهذه السهولة".