2015-10-10 

ماذا يريد السعوديون من محمد بن سلمان؟

محمد الساعد

السؤال الأهم الذي يتداوله السعوديون هذه الأيام، هو ماذا يريدون من الأمير الشاب محمد بن سلمان، من خلال موقعه المهم الذي يشغله في هرم الحكومة السعودية. ولعله وهو يشغل هذه المهمات الجسيمة، خلال ستين يوماً فقط من حكم الملك سلمان، وبالأخص من موقعه كرئيس لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، يكون هذا الأمير الشاب قد اقترب أكثر من هموم الناس، وفهم على الأقل ما يدور بين عيونهم، وبين أطفالهم وأسرهم من حكايات وأحلام. بل وقاس أمانيهم ومطالبهم، التي لا تتعدى في أغلبها خمس حاجات أساسية ملحة، ليس من بينها السياسة أبداً. أما هذه الحاجات التي دائماً ما يتوق إليها السعوديون، وتقض مضاجعهم، وتكون محور الحديث في مجالسهم وصوالينهم، فهي تعليم، وصحة، وسكن، ووظائف، وحياة اجتماعية بريئة – كما بقية البشر - لا يهاجرون من أجلها في كل إجازة سانحة لمشارق كوكبنا ومغاربه، ولا يوجد فيها مجاملة لمؤسسة، ولا لفئة دون أخرى، فقد اكتفى الناس من تعدي بعضهم، ومجاملتهم على حساب حياتهم. ففي التعليم يحلم السعوديون أن يروا أطفالهم وهم يعيشون ثلث حياتهم، يركضون في مدارس نموذجية بساحاتها الخضراء ومناهجها المتفوقة، ومعاملها الحديثة، وتعليمها المتسامح، الذي ينشر العلم والمعرفة والثقافة، ويفتح المكتبات، والمسرح، والموسيقى، ويغلق المخيمات، ويكافح التطرف، والموت، والتعصب، والمنهج الخفي. وعند الحديث عن صحتهم، فأغلب الناس يكرهون المستشفيات، ولا يرونها إكسسواراً يفرحون به، لكنهم إن أجبروا عليها – أي العلاج والمستشفى - فهم يريدونها لائقة بهم وبأطفالهم وأعزائهم. يريدون أن يُنقلوا لأقرب مستشفى لو احتاجوا ذلك من دون أمر يستغرق الأسابيع الطوال، أو الأيام ليحرك الطائرة، أو ليفتح باب الغرف المغلقة، والمستشفيات التخصصية، أو يبعثهم للعلاج للخارج. وفي سكنهم الذي طالما حلموا به، وطال نأيهم عنه، فهم يستبشرون خيراً، كلما حركت أيها الأمير قرارات سكناهم، ويرونه قريباً جداً، في ظل الملك الحازم سلمان. إذ لا يستقر الإنسان، إلا عندما يؤمن لصغاره منزلاً يؤويهم، يحفظ كرامتهم من مكر الزمان، وتقلب الأيام، وهذا المنزل لا يكفي الحاجة، من دون مدن وضواحي وأحياء مثالية، مليئة بالخدمات، والحدائق العامة، والمكتباتد، والمسارح. اليوم يعيش السعوديون كمتعلمين في غالبيتهم العظمى، نعم هم يقرأون ويكتبون، لكن القراءة والكتابة لا تؤكل عيشاً، من دون معرفة، وثقافة عامة. ففقر المعرفة يكتسح الكثير، وهو ما يقف حائلاً بين توظيفهم، وبين تطورهم وتعاملهم المحترف مع الوظائف المتاحة، وتحديات ومتطلبات العمل. ولذلك فإن إكمال بنية «الإنسان السعودي» المعرفية أصبحت ضرورية جداً، ليكمل حقه في العمل، وهذه لا تأتي من دون تدفق معرفي متنوع، وحياة إنسانية طبيعية بين الجنسين. وأخيراً فإن الحياة الاجتماعية التي نتحدث عنها ليست حكراً على كل البشر ومحرمة علينا، وليس من الطبيعي أن نعيش هذا النموذج الغريب في الحياة الاجتماعية القائم على الفصل، وعلى نوع واحد من المعرفة، هو الوعظ ولا شيء غيره، بينما بالإمكان تقديم معارف أخرى جنباً إلى جنبه. فالفهم الذي وصلنا إليه للحياة، ربما كان مناسباً لحدود القرى التي كان يعيش بها الأجداد، بل أجزم أنهم كانوا أكثر تطوراً اجتماعياً منا اليوم. أما وقد اقتربت السعودية من إكمال نموذجها التنموي، فلا أقل من تقديم نموذج اجتماعي حقيقي يليق بها وبمكانتها، تباهي به الأمم. يبدأ ولا ينتهي بالبدء في تطبيق برنامج تحديث وتمدين واسع للمجتمع، فالنماذج المحافظة، والمتطورة اجتماعياً - في الوقت ذاته - ليست غريبة ولا بعيدة، والكويت وماليزيا وقطر والإمارات، وحتى تركيا، لديها تجارب يمكن الأخذ منها، والاستفادة من كثير منها، مع ترك بعض الشوائب غير المفيدة التي يتفق عليها الجميع. إن تقديم السعودية للعالم من خلال شعب متقدم، ومتمدن وحضاري ليس بالأمر المعجز، لكنه سيكون إنجازاً للأمير الشاب، أيما إنجاز، يتكئ على تنمية حقيقية، ذات جودة عالية ومستدامة، بل سيكون أهم اختراق تقدمه الحكومة السعودية لشعبها الذي ينتظر منها الكثير. فهي ولا أحد غيرها التي ستعتقه، من كل مظاهر التطرف، والرجعية، والتخلف، والانكفاء، الموسوم بها، والمروجة كذباً، على أنها من العادات تارة، ومن المحافظة تارة أخرى. *نقلا عن "الحياة"

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه