في السعودية ظاهرة لافتة هذه الأيام، وهي أن لا أحد يرمي الكلمات جزافاً، بل إن لكل كلمة معنىً يظهر ولو بعد حين. كل كلمة تعني رسالة لها من يفهمها، ويتعامل معها، وعلى أساسها تنعقد اجتماعات، وتخرج توصيات، ويقترح محللون. إن مراقبة الظاهرة السعودية تعني تفسير ما قالته، وما لم تقله.
أولئك الذين ظنوا أن حديث رجل السعودية القوي، ولي عهدها الشاب، عن "صلصلة تاكساس" التي أهداها إياها آل بوش حين زارهم، مجرد مداعبة عابرة، عليهم أن يراجعوا أنفسهم من جديد، فقد كانت توقعاً للدور الفرنسي والأوروبي الداعي لبقاء اتفاق نووي مع طهران، يرى فيه السعوديون أنه لن يجعل من العالم مكانا آمنا في المستقبل.
لقد كانت كلمات الأمير محمد بن سلمان واضحة، قبل الخروج الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني، وهي إن طهران " تنظيم مسلح" يرتدي ملابس دولة، ولا يمكن الوثوق به، وفي حال حصلت على قنبلتها النووية فإن التعامل معها سيكون مستحيلا، وهذا ما سيؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بشكل كبير.
وفي الوقت الذي لا يقلق الأوروبيون كثيراً كونهم يبعدون عن منطقتنا عشرات الآلاف من الكيلو مترات، فإن أهل المنطقة يعانون بشكل كبير من دور إيران التخريبي داخل بلدانهم، ففي أكثر من دولة عربية تم الكشف عن خلايا تدعمها طهران، وتهدف إلى زعزعة استقرار هذه الدولة، وتكوين جيوب إرهابية.
لذلك كان الهدف السعودي هو تحجيم نفوذ إيران في المنطقة بكل الطرق، وهذا ما فعلته السعودية خلال العامين الماضيين، فلقد حوصرت إيران في العراق واليمن ولبنان والقارة الأفريقية، وتعمل المملكة على حشد حلفاءها الدوليين لمزيد من التضييق على طهران وكبح جماحها.
وبدلاً من أن تحاول القوى الدولية تأجيل حصول إيران على القنبلة النووية، وإقناع الحلفاء بأن هذا الاتفاق هو أفضل الحلول، فإن أميرا قويا في الشرق الأوسط لديه وجهة نظر أخرى: لا للقنبلة. هذه هي الرسالة السعودية الواضحة: لا نريد قنبلة نووية في الأساس، فلا تحدثونا عن آليات تأجيلها.
المملكة، وعدد كبير من حلفاءها في العالم، يرون في الخطر الإيراني تهديداً كبيراً لمستقبل المنطقة التي تحوي نحو ثلث احتياجات العالم من الطاقة. وبسبب السياسة الناعمة التي انتهجتها إدارة أوباما، تحولت طهران من كيان منبوذ يعاني من عقوبات دولية، إلى قوة تخريب عابرة للحدود، ثبت تورطها في العديد من الأعمال الإرهابية إقليمياً ودولياً.
لقد أثبتت "صلصة تاكساس" الجمهورية الطعم والطابع، قوتها الشديدة، فقد محت الطعم البغيض للاتفاق النووي من حلوق حلفاء أمريكا، وصنعت طبقاً جديداً لا يحتوي على أي زعفران فارسي، ولا جبنة فرنسية، أي إنه سيكون طبقا صحياً للاستقرار العالمي.
على أي حال، التصريحات النبيذية، التي يطلقها ماكرون، لا يمكن لها أن تقنع أصحاب القهوة الصفراء، بالحلول الناعمة للقضايا الخشنة، لأن قهوتهم المرة الحارقة، تجعلهم أكثر تيقظاً للواقع أمامهم، بشكل أكبر مما تفعله مشتقات "بوردو" الفرنسية.
نصيحة ذهبية لكل سياسي غربي: لا تعبث مع أهل الفناجين نصف الممتلئة.