أن يعيش الإنسان مشروعه الدنيوي بين الطناجر ولغط الحناجر وطعنات الخناجر هو بروفة موت بنسخة أرضية طويلة الأمد..ماذا يعني أن تعيش المرأة العربية عمرها في مقارعة مراهقات المجتمع وعقده وتعقيداته، ونفس المجتمع هذا قد يفور تارة ويصك أبوابه عليها وهو نفسه من قد يعود لرشده فترة ويتلبسه الحكمة ويفتح لها الأبواب قليلا... تنطلق بلهفة الغريق نحو اليابسة... فتفتك بك الذئاب التي لم تكن يوما مدربا للحماية من فتكها وأنت في كبسولة تدعى حياة!
هذه التناقضات تعيشها النساء العربيات __إلا من رحم ربي__ وتسمى حياة، كل محاولات التمرد التي دفعت النساء ثمنها كانت هي محاولات عيش فقط كما ينبغي لكائن بشري أن يحياها،كل ما عبر من حوادث وقصص تمرد كانت مجرد إجتهادات ونداءات من كائنات أدركت أن هذه كانت حياة من قلة الموت، اللاتي دفعن حياتهن ثمنا للتمرد أو الذي أسميه تمسك بأسم الحياة كن فقط مجرد نساء عظيمات أدركن أن الحياة هي القيمة العليا للكرامة ..الحياة التي لا تعاد ..لا تعاد .. لا تعاد..
حين تكون الأمريكية "سيندي" مشغولة بالحصول على براءة بحثها في النانو تكنولوجي تكون العربية "ثريا" مهمومة بحصولها على موافقة ولي أمرها لدخولها لكلية الطب في الجامعة،وحين تكون "سيندي " تستمع بالشمس والريح والهواء والنجوم تكون "ثريا" مستمتعة انها تتناول الباستا بمهارة و دون أن يتسخ نقابها ..
الآمال الكبرى في أن هناك أجيال نساء قادمات سيعشن صحوة الحياة الحقيقية وسيكون ما نسميه اليوم تمرد هو مجرد أسلوب حياة، لكن الكارثة الأكبر في أجيال عبرت حياة وتم إحتسابها عليهن حياة وكن مكبلات بأصفاد ثقيلة .. حياة كانت بدل فاقد.. مررن بالحياة التي لا حياة فيها وحملن أحلامهن بعيش حقيقي وتوسدهن الثرى ....
السينما والسيارة هي مجرد أدوات حداثة لا أدوات حرية، لا تحسبوا علينا هذه الأدوات وتغفلوا الاستثمار بفكر الإنسان... مليون سينما لن تغير نفس بشرية واحدة لم يتسن لها تعليما مبكرا حرا منفتحا نحو إحترام كينونة الإنسان... ومليار سيارة لن تقودنا للتطور ونحن في طرق وعرة مزروعة بإلغاء الآخر ودس أعشاب سامة في طريق المختلف عنا
أنا اليوم مدينة لجداتي العربيات بالإعتذار لهن على ما مضى من أعمارهن وهن يصنعن ويأسسن لنا هذه الحياة التي بدأنا نعاين تغيرها وتحولها وإدراكها .. لكن على نار هادئة من الصبر ..ولسعات الجمر
هند خليفات
كاتبة أردنية
hind@alocloud.com