أعتقد بأن قرار إنشاء قوات عربية مشتركة، إذا أقرته القمة العربية في شرم الشيخ، سيكون أهم من قرار إنشاء الجامعة العربية نفسها، ولاسيما في هذه المرحلة التي تعيشها الدول العربية بعد عاصفة الثورات العربية التي جرفت الكثير من الأنظمة السياسية، وجرفت معها الاستقرار والأمن والسلم الاجتماعي في تلك الدول، فكان من الواجب على الدول العربية التي نجت من تلك الأعاصير السياسية، وبعد أن هدأ غبار تلك الفوضى، أن تتحد لإنقاذ ما تبقى من أطلال الدول التي عاثت بها الثورات، حتى أصبحت ساحة سياسية مفتوحة، تتعارك على أرضها القوى الإقليمية من أجل توسيع خريطة نفوذها، من دون أن تجد شعوبها من ينتفض لصراخهم واستغاثتهم ممن يشاطرونهم الانتماء إلى مؤسسة سياسية واحدة كان المؤسسون لها يحلمون بأن تكون ملاذاً ونصيراً لهم، وحصناً من المتآمرين عليهم، إلا أنها إلى الآن لم تكن كذلك؛ لأنها لم تكن تملك من الآليات ما يترجم تلك الخطب النارية التي كانت تُلقى في القاعات المغلقة إلى واقع تلمسه الشعوب العربية؛ حتى فقدت تلك الشعوب حماستها لتلك المؤسسة التي بدأ يظهر عليها ملامح الشيخوخة والهرم والعجز. إن وجود قوات عربية ملتئمة تحت قيادة عسكرية واحدة سيعيد الحيوية إلى الجامعة العربية، كما أنه في الوقت ذاته سيُفعل معاهدة الدفاع العربي المشترك التي ظلت تتناقلها البيانات السياسية والخطب الرنانة، من دون أن تتجسد بشكل حقيقي على الأرض، فلا يمكن تصور تفعيل هذه المعاهدة من دون وجود ذراع عسكرية عربية يترجم نصوص تلك المعاهدة ويحقق الأهداف التي من أجلها شرعت وأصدرت، فالجهود الديبلوماسية الجماعية في حال الأزمات السياسية أو العدوان العسكري على أحد الدول العربية ليس كافياً لتطويق ذلك العدوان أو صده، وإنما لا بد من وجود قوات ردع عسكري تكون الداعم والمساند لأي جهد سياسي وديبلوماسي عربي، بحيث تكون كل الخيارات مطروحة على الطاولة، وهو ما يعزز الموقف التفاوضي للجانب العربي، وقصة عاصفة الحزم تبرهن على ذلك، وتؤكده بشكل قاطع لا جدال فيه. كما أن الروح الإيجابية السائدة بين الدول العربية هذه الأيام وحال التفاهم والتقارب بين معظم الدول في كثير من القضايا الجوهرية في هذا الجزء من العالم يعطي فرصة أكبر لنجاح إنشاء مثل تلك المؤسسة العسكرية العربية؛ شريطة ألا تدخل في دوامة اللجان واللجان المنبثقة واللجان الفرعية؛ لأن هذا الطريق سيحكم عليها بالإجهاض المبكر، وسنضيع من أيدينا فرصة تاريخية قد لا تتكرر، وهي استثمار روح عاصفة الحزم وتحويل هذا التحالف إلى مؤسسة عربية؛ استناداً إلى ميثاق الأمم المتحدة ومعاهدة الدفاع العربي المشترك، بحيث تكون جاهزة للتحرك متى ما قرر القادة ذلك، من دون الحاجة في كل مرة يحصل فيه انتهاك لسيادة دولة عربية أو التهديد بعدوان أو غزو؛ لخلق تحالف عسكري جديد وإجراءات طويلة من الجهد الديبلوماسي الذي قد لا ينجح في كل مرة في إيجاد تحالف بقوة وتماسك «عاصفة الحزم». * نقلا عن "الحياة" اللندنية