الحرب الكبرى

تنشغل مصر الآن، وصدق أو لا تصدق، بثلاث حروب: أولها فى اليمن، وثانيها ضد الإرهاب فى الداخل، وثالثتها ضد البيروقراطية المصرية العتيدة. صدق أو لا تصدق مرة أخرى، أن الحربين الأولى والثانية ليستا أهم حروب مصر، لأنها فى الأولى ضمن تحالف عربى قوى، وفى الثانية فإنها تتحرك ضمن إجماع وطنى. الحرب الثالثة أخطرها، وهى فى الحقيقة الجهاد الأكبر لأن الخطر فيها ينبع من داخلنا، مما اعتدنا عليه، ومن قدراتنا الفائقة على توقيف «المراكب السائرة»، ومن ذلك الحنين المزمن للتخلف، وتلك الحالة المدمنة أن نسير عكس ما تسير عليه الدول أو المنطق، المهم أن نخترع أمرا ما يكفى لكى يناقض أو ينتقص من كل الأهداف التى نريد تحقيقها. هناك أمران نتفق عليهما، أو هكذا أظن، وعلى الأقل فإن رئيس الجمهورية يصر عليهما كلما جاءت الفرصة: أن مصر تخلفت كثيرا وآن الأوان لها أن تتقدم وتأخذ مكانها بين الأمم؛ وحتى يحدث ذلك فإن علينا أن نعمل كثيرا جدا إلى الدرجة التى تجعل إنجازاتنا تحدث «بالأمس». ثلاثة أمثلة تقول لى إن هناك بيننا من يشن حربا على هذا وذاك. الأول ما عليك إلا أن تخرج من صالة الوصول رقم (٣) من مطار القاهرة الدولى، الصالة جديدة، وحتى وقت قريب كان لدينا شعور أننا نقترب من المستويات العالمية فى المطارات. ساعة الخروج محملا بحقائبك سوف تكتشف أن العربة التى جاءت لاستقبالك لن تستطيع القيام بهذه المهمة، أما إذا كنت من رواد التاكسى مثلى فإنك لن تجده. سوف يكون عليك أن تجر عربة ناءت بأثقالها، والتوت عجلاتها، ولن تسلم بقدرة لا تعرفها على الانحراف شمالا أو يمينا، أو كليهما معا، ولا تسأل كيف يمكن حدوث ذلك منطقيا. أنت الآن مرهق من السفر، وأكثر من جر العربة إلى طريق أسمنتى جانبى متخصص فى كعبلة سعادتك، أو تعثرك إذا كنت من كبار السن، وإذا لم تكن محظوظا كما يحدث كثيرا لعباد الله، فسوف تنقلب العربة كلها، ولكن المصريين المعروفين بالشهامة سوف يساعدونك حتى ولو كانت قلة سوف تحاول سرقتك. بعدها سوف يكون المشهد الأعظم حين تجد«بارك» توجد فيه العربات، والتاكسيات، وأنواع أخرى، من الحافلات تتداخل فيما بينها إلى درجة أن تتخيل أنها على وشك أن يركب بعضها فوق البعض الآخر. باقى القصة معروفة، وسوف يكون من ضمنها لماذا عدت إلى مصر فى المقام الأول؛ ولكنك سوف تتذكر فورا مطارات العالم الأخرى ساعة الخروج من صالة الوصول حيث يوجد رصيف تأتى إليه العربات الخاصة لكى تلتقط مسافريها، ثم رصيف آخر عليه عربات التاكسى وأنواع أخرى من الحافلات للفنادق وشركات تأجير السيارات. لن يختلف فى ذلك مطار فى اليابان عن آخر فى المكسيك عن ثالث فى دبي؛ هكذا استقر تصميم المطارات العالمية. سوف تحتار بالطبع فى معرفة السبب، ولكن المرجح أن أحدا سوف يدخل الإرهاب فى الموضوع، وبصراحة لا أريد أن أدخل فى تفاصيل فنية، لأن كل دول العالم تضع محاربة الإرهاب ضمن أولوياتها. ولا يمكن الجزم بأنه يمكن محاربة الإرهاب أسفل صالات السفر وليس فى مواجهتها. ربما يكون هناك سبب آخر لم يعتن أحد بشرحه، ولكن ليس هكذا تدار مطارات الدول المتقدمة، أو التى تريد التقدم الذى شرطه الأول أن ندير حياتنا بالطريقة التى استقرت عليها دول العالم. المثال الثانى يخص مطاراتنا أيضا، لاحظ هنا أنك عقدت توا مؤتمرا اقتصاديا أقسمت فيه بأعظم الأيمان أنك تريد تنمية مصر، وبسرعة، وفجأة سوف يأتيك من حيث لا تدرى دلو كبير من الثلج لكى يهدئ من حماسك، وربما يرى أن العجلة من الشيطان. الهدف هنا السياحة التى نريد يقظتها، وبعد تقليد مستقر عن حق السائح فى الحصول على تأشيرة من المطار بالنسبة لقائمة من الدول رأينا لجذبها أن نعطيها هذا الحق. فجأة قررنا سحب هذا الحق، وطبعا لن نعرف السبب، وعلى السائح أن يحصل على التأشيرة من بلده؛ وطالما أن للسائح اختيارات كثيرة فلماذا يأتى عندنا إذا كان من دولة ليس فيها سفارة مصرية، أو أن السفارة بعيدة، ولا توجد قنصلية قريبة، وحتى لو كان كل ذلك ممكنا بالبريد العادى أو الإلكترونى، فماذا سيكون الفارق من الناحية الأمنية مع الحصول على ذات التأشيرة فى المطار. هناك فى المثل الشعبى ما يقول إن «الملافظ سعد»؛ وكذلك فإنه فى الحياة العامة فإن «الإجراءات سعد»، فلا يجوز أن تغلق أبوابا مفتوحة، فى أوقات تعد فيها كل العالم بفتح الأبواب. المثال الثالث مصدره الصديق العزيز على سالم الذى ذكر لنا، أطال الله عمره وأعطاه الصحة والعافية والقدرة على السخرية الدائمة، أنه فى المطار أيضا بات ممنوعا إعطاء المسافرين عملات صعبة من فئة المائة دولار. هل يوجد أحد فى العالم يمكنه أن يتفنن إلى هذا الحد فى وقف الحال، وتعقيد الأمور، والتدخل فيما لا يعنيه فى الفئة التى يريدها المسافر والتى تدخل فى صميم حرياته الشخصية فيما يكون معه من النقود «المجمدة» والأخرى «الفكة». ما دخل السيد الموظف العام فى هذا الأمر، وما هى الحكمة فى الموضوع، وهل توجد دولة أخرى فعلت ذلك فى أجهزتها. سوف أترك لك بقية الموضوع، والسخرية المرة منه لدى على سالم، ولكن سوف نعود سويا إلى أصل الموضوع. أصل الموضوع أيها السادة أن الأمثلة الثلاثة السابقة يمكنك أن تضربها فى مئات الألوف من الإجراءات المماثلة الصغيرة، والتى قد تظن أنها من الضآلة التى على المواطن أن يتحملها إذا كان وطنيا بحق، أو إذا كان مستثمرا «جادا» أو سائحا حقيقيا فعليه ألا تؤثر فى نفسيته أو تحبط من مساعيه من أجل السياحة أو الاستثمار فى مصر. ولكن الواقع ليس كذلك بالمرة لأن موظفينا يعتقدون أن المواطنين، فضلا عن الأجانب، ما هم إلا أسرى لنظام ليس ذلك الذى «ينظمه صحبه» سبحانه وتعالى، وإنما جماعة من الموظفين الذى لديهم قدرات هائلة فى «العكننة» على البشر، مصريين، وأجانب. هم لديهم القدرة على تغيير قواعد اللعبة طوال الوقت، فالقانون دائما حمال أوجه، ومن الممكن أن تكون فى مباراة لكرة القدم التى تلعب فيها الكرة بالأقدام، فتصير فورا مباراة فى كرة السلة التى تلعب فيها الكرة بالأيدى. عزيزى المواطن: كم مرة دخلت فيها هيئة حكومية، أو مكان خدمة تشرف عليها الحكومة، وخرجت سعيدا أو راضيا، أو انتهت مهمتك وفقا لقاعدة تعرفها مسبقا، ولم تجد أن القواعد تبدلت وتغيرت. وإذا كان ذلك كذلك، فهل تظن أن ذلك الزخم الجارى فى البلاد الآن نحو البناء وكسب الوقت واكتساب المكانة سوف يستمر. لاحظ ياعزيزى المواطن أننا لا نتحدث عن الأحوال السائدة فى الأبنية الحكومية والمؤسسات العامة، فهذه مصيبة أخرى، ولكن نتحدث عن القواعد واللوائح والقوانين فقط لا غير!. * نقلا عن "المصري اليوم"