ستنتصر «عاصفة الحزم» بإذن الله، ذلك أن مطالبها بسيطة وفي سياق أخلاقي مدعوم محلياً وإقليمياً ودولياً، فكل ما تريده هو دعم الشرعية التي يمكن تأسيس يمن المستقبل عليها، وحض الحوثيين على الجلوس على طاولة حوار مع بقية الفصائل اليمنية من دون سلاح يهددون به من يعارضهم. ليس للسعودية أطماع في اليمن، ولا تنوي إعادة التفاوض على حدوده، وبالتأكيد لا تنوي إرسال «بول بريمر» إلى صنعاء بعد الحرب، ولا تشكيل حكومة فيه أو لجنة لإعادة كتابة دستوره، ذلك أن في اليمن شرعية ومسودة دستور ومخرجات حوار انهمك اليمنيون ومن بينهم «أنصار الله» في الاتفاق عليها حتى استبد الأخير واستخدم الدبابة والقتل والاختطاف أدوات للحوار عوضاً عن الحجة والبيان، وهو ما أدى إلى الحرب الجارية الآن. مشكلة الحوثي هي نفس مشكلة جماعة «الوفاق» في البحرين. لقد حصلت الأخيرة على تنازلات من الحكومة البحرينية خلال المفاوضات الصادقة التي قادها ولي العهد البحريني الشاب الشيخ سلمان آل خليفة ما لم تحصل عليه أية معارضة في الخليج. كان «الوفاق» يفاوض ويستمع وفي لحظة القرار يستأذن ويطلب مهلة «للتشاور مع الإخوة وقواعد الحركة» ليعود في اليوم التالي ليرفع السقف، أو يلجأ لشباب يقول إنه عاجز عن التحكم فيه، يحرقون سيارة شرطة فتتعكر الأجواء وتفشل المفاوضات. الجميع يعرف أنه لم يطلب المهلة للتشاور، وإنما للاتصال بطهران. هنا تختلف الحسابات البحرينية المدركة لواقعها ومحيطها مع الحسابات الإيرانية الأنانية والمعقدة، المتداخلة مع أساطير أصولية وخطط توسع إقليمية في العراق وسورية، وأطماع نفطية، ومفاوضات دولية ترسم علاقات مصالحها مع الغرب حول النووي والنفط وخطوط الغاز العابرة للقارات والشركات الكبرى. وسط هذه الغابة من السياسة تضيع مصلحة شيعة البحرين الراغبين في مجرد مشاركة شعبية واستعجال مشاريع الإسكان وتوظيف العاطلين، تصبح همومهم مجرد «ورقة لعب» أخرى بين 52 ورقة أخرى، أهميتها في موقعها لإيران ومصالحها وليس في الورقة نفسها. هذا هو «المتحول» الإيراني الذي حان الوقت أن يدرك الحوثي حقيقته. لقد وعده بالمساعدة، هدد الإيرانيون السعوديين وتوعدوهم، من المرشد الأعلى حتى خطيب المسجد الذي لم يسمع به أحد، ولكن ستمر الأيام ولن يأتي «الأخ الإيراني الأكبر». عندما تختار إيران بين طهران وصعدة، فستختار الأولى، حينها سيكتشف الحوثي ذلك متأخراً بعدما يكون قد وضع كل بيضه في السلة الإيرانية، فيفسد البيض ويجد نفسه وحيداً أمام الثابت السعودي. لقد كسب الكثير وأكثر مما كان يحلم به يوم كان طالباً نجيباً في حوزات قم، ثم ثائراً في صعدة يتفاوض مع مخابرات علي عبدالله صالح. لو توقف الحوثي يوم وقّع برعاية المبعوث الأممي جمال بن عمر اتفاق السلم والشراكة الوطنية بعد ساعات من دخولهم صنعاء في أيلول (سبتمبر) الماضي، لكان في حال أفضل ألف مرة مما هو عليه اليوم. حصل ليلتها على كل شيء وأصبح «السيد» المتوّج الذي سيحكم اليمن من وراء ستار في صعدة، ولكنه ارتكب خطيئة «الوفاق» البحريني، سلّم قراره إلى طهران فأطمعته في المزيد خدمة لمصالحها. أصبح مجرد ورقة لعب أخرى بين أوراق اللاعب الحقيقي، غابت مصلحته، وحضرت مصلحة إيران الكلية. أصبح مجرد ملف إيراني آخر، مفاوضات لوزان ومعركة تكريت وتقدم المعارضة السورية في إدلب. إيران لاعب محترف، ولن تتردد في التخلص من ورقة اللعب التي لا تحتاجها، إذا ما جاءها ضغط لا تحتمله. لها مصالح أكبر مع تركيا وباكستان. رفع العقوبات عنها وإعادة الحياة للاقتصاد الإيراني أهم عندها من كل اليمن وليس الحوثيين فقط. أما السعودية، فهي «الثابت» لا تستطيع أن تلقي بعيداً بورقة اليمن، لأن اليمن ليس «لعبة» بيدها ولا أداة ضغط، وإنما أخ وجار، أنفقت فيه بلايين لعلها تشركه في بعض نعمة نفط الخليج فانتهى معظمه في جيب علي عبدالله صالح. لو اتخذت المملكة قراراً تفضيلياً للعمالة اليمنية فوفد عليها مليون يمني آخر لانفتح رزق لمليون بيت في اليمن. السعودية تؤثر في اليمن عشرات المرات أكثر من أي طرف آخر، وحان الوقت أن يستمع السيد عبدالملك الحوثي لذلك وهو يقلب اختياراته بينما تأتيه الأخبار تباعاً عن فقدانه لمعسكر اعتقد أنه يستطيع به أن يحكم بعضاً من اليمن ومخازن سلاح هائلة وردته من إيران اعتقد أنها كافية لحكم البعض الآخر. بالطبع لن تعرض عليه الرياض أي إغراءات للتفاوض أو ضمانات الآن وقبل أن يلوح هو برغبة للصلح، فهي في زمن الحرب، والحرب تستوجب الشدة، ولكن لو حلل الموقف لرأى أن ليس للمملكة موقف منه غير تبعيته لإيران ثم استبداده، ولكن ليس لها موقف من أهله وعشيرته الذين تعرفهم جيداً. لعله جاء المملكة يوماً برفقة جده العلامة بدر الدين الحوثي عندما كان يقضي شهوراً بين جدة والرياض معلماً لأبناء الأسر الهاشمية التي حكمت اليمن واستقرت بعد الثورة في المملكة، القبائل التي يهيمن عليها ويحارب بهم من أجل إيران كان أبناؤهم وأجدادهم في جيش الإمام الذي كانت تدعمه الرياض. ليتفكر قليلاً وسينتبه إلى أن التاريخ والجغرافيا يجعلان الرياض أقرب له من طهران، وهي الثابت التي لا تستطيع أن تغيّر التزامها باليمن حتى لو أرادت. نعم، عنوان الحرب الحالي هم «الحوثيون» لأنهم تصدروا الانقلاب، ولنزعتهم للهيمنة ورفضهم للشراكة، ولكنهم في بعدهم المذهبي «ثابت» آخر هو الآخر، والمملكة تعرف ذلك وتقبل به، ودعك من خطاب الحرب الذي يشيطن الحوثيين، فهو سيتغير في زمن السلم. علي عبدالله صالح أو من اتفق على تسميته بالمخلوع «متحول» بل إنه سيد المتحولين. كان حليفاً للمملكة، ثم مع صدام، ثم عاد للمملكة، حارب الحوثيين، ثم حالفهم بل يحارب معهم الآن وهو وجيشه رأس حربتهم، بينما كان مستعداً للانقلاب عليهم لو وافق السعوديون على عرض حمله وريثه وابنه أحمد للرياض قبل «العاصفة» بأيام. شخص كهذا من الخطأ القبول به في مقبل الأيام في اليمن، ليس لأن ذلك يتنافى مع القيم الأخلاقية وإنما لأنه مهدد للأمن. صالح ينتمي إلى زمن قديم، إلى كتاب «الأمير» لميكافيلي، معني بالحكم فقط والسيطرة، بينما اليمن القادم يجب أن يكون تشاركياً لكي ينجح ويستقر. لو انتهت الحرب اليوم يمكن أن يكون هناك مكان على الطاولة للسيد عبدالملك الحوثي ولن يخسر شيئاً غير سلاحه، أما إذا انتهت بعد تقدم بري، وسقوط مدن، ودخول صنعاء، فإن المنتصر اليمني سيكون قاسياً، سيفرض الشروط المعتادة على المنهزم، أو أن يعاند الحوثي فيختار الحرب ولو من صعدة والجبل فتلك وصفة لحرب أهلية مدمرة للجميع. لو قلَب عبدالملك الحوثي الثابت والمتحول بين يديه، وغلّب الحكمة اليمانية لاختار السلم والمصالحة له ولليمن، لعله يكون يوماً وزيراً في حكومة يمنية تتفاوض على مشروع إنماء اليمن الذي يمهد لضم اليمن لمجلس التعاون الخليجي في عام 2025. إنها وظيفة تبدو دون «الإمام المرشد» في صعدة ولكنها أكثر فائدة لليمن.