2015-10-10 

تحالف الضرورة بين المملكة والهند

أيمـن الـحـمـاد

الهند التي تفكر وتخترع، لم تنغمس في صراعات داخلية أو دولية مرهقة، جعلت نصب عينيها - يوم أن تشظت إلى ثلاث دول - الارتقاء بمستوى شعبها الذي يمّد وادي السيلكون اليوم بعباقرة البرمجة والحواسيب، التي تجعل العالم يمتن إلى ذلك البلد العجيب. في مقالة كتبتها تحت عنوان: "ما الذي يجعل الهند حليفاً إستراتيجياً للسعودية؟" ونشرت في الرياض (7 / 1 /2014) "قلنا إن المملكة بحاجة إلى البحث عن أصدقاء وحلفاء جدد في عالم يبدو أن معطيات العلاقات فيه بين الدول تتغير". ونرى اليوم ذلك ضرورة، فالهند على جميع المستويات تحتل مكانة مرموقة وريادية، فعلى المستوى السياسي هي مرشحة لأن تكون عضواً دائماً في مجلس الأمن، واقتصادياً تحتل المرتبة العاشرة عالمياً، والصناعات التكنولوجية هي عصب رئيسي في هذا الاقتصاد، ولديها رابع أقوى جيش في العالم، كما أنها تحظى بسمعة دولية مرموقة وتحالفات متوازنة، ولديها مواقف متقدمة من القضايا العربية والاسلامية، بالرغم من أنها ليست عضواً في منظمة التعاون الإسلامي إلا أنها تحتضن ثاني أكبر تجمع للمسلمين بعد اندونيسيا، وهذا يجعلنا معنيين بشكل مباشر من أجل احتضان هذه الدولة في اطار هذا التجمع، وعدم الالتفات لأي محاولة لثني المنظمة في توسيع قاعدتها من الدول المتقدمة. إن الهند اليوم تشكل أهمية استراتيجية للمملكة على عدة محاور؛ فالاقتصاد الهندي سيشهد خلال هذا العام نمواً استثنائياً بفضل السياسات الاقتصادية والنقدية التي يقودها رئيس الوزراء ناريندرا مودي العازم على نقل تجربته الناجحة في ولاية "غوجرات" لتعميمها على مستوى البلاد، كما أن السوق الواعدة للهند تفرض علينا إعادة النظر في مستوى العلاقات التجارية مع نيودلهي والتي لم تبلغ حتى الآن المستوى المأمول منها، إلا أن الفرصة مواتية من أجل تعزيز التبادل التجاري بين البلدين بالنظر إلى السياسات التجارية الجديدة. كما أن الهند والمملكة لديهما ذات الرغبة في تطوير علاقتهما تجاه شرق آسيا، وآسيا الوسطى، وأفغانستان تحديداً، التي ستكون مسرحاً للتنافس الدولي خلال العقد المقبل. للهند أيضاً مصالح استراتيجية مهمة في المملكة والخليج والمنطقة الجغرافية المحيطة بها، ف(50%) من الواردات النفطية للهند تأتي من هذه المنطقة، كما أن أكبر تواجد للجالية الهندية حول العالم هو في منطقة الخليج. لقد دفعت مصالح الهند قيامها بإرسال قوات بحرية في محيط باب المندب وبحر العرب من أجل مكافحة القرصنة، ورأيناها فيما بعد تقوم بإجلاء العاملين من الهنود في اليمن، وهي اليوم معنية بشكل أكبر بحماية مصالحها الاستراتيجية، من خلال تكثيف تنسيقها السياسي والعسكري والاستخباراتي مع دول المنطقة، التي تشهد أعمالاً عسكرية. كما أن مكافحة الإرهاب هدف مشترك جعل الرياض ونيودلهي على تواصل معلوماتي مستمر، فالهجمات الارهابية القادمة من الاقليم تهدد النهضة الهندية مما يحتم ضرورة التعاون الدولي، لاسيما مع المملكة التي تحظى بقاعدة بيانات ومعلومات استراتيجية في هذا الملف الشائك. العلاقة بين المملكة والهند مرشحة لتغدو أفضل -والتحالف بين هاتين الدولتين ضرورة بسبب المصالح المتبادلة بينهما- مما هي عليه الآن في ظل تراجع النمو في شرق آسيا، يضاف إليه توجه دبلوماسي نشط على عدة محاور، ومما لا شك فيه فإن البلدين، وبفضل ما يحظيان به من حضور سياسي دولي واقتصادي لافت سواء في الأمم المتحدة أو في مجموعة العشرين يجعلهما قادرين على تحقيق نقلة ذكية تشبه تلك التي تكون على رقعة الشطرنج التي يقال إنها اختراع هندي.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه