كان نديم قطيش ذكياً حين اختار هذا العنوان لبرنامجه، فهو أولاً متخصص في الاستقصاء الجيني لمحور المقاومة والممانعة وفي كشف اختلاله الجيني، وأنه لا ينتمي للعروبة وإن استعار لسانها، أو معني بقضاياها على رغم ضجيجه الصاخب. لا يواجه نديم الصراخ بمثله إنما يقدم برنامجاً أقرب إلى التحقيق الصحافي، فهو ينبش المقولات والتصريحات المتناقضة، ويتحقق من المعلومات الكاذبة فتجيء ردوده صاعقة وفاضحة لكل حالات الزيف في أسلوب يذكّر المشاهد بطريقة باسم يوسف في برنامجه الشهير «البرنامج». العربي نديم قطيش سليل عائلة مناضلة، صادقة في مقاومتها لكل ما يمس الوطن والعروبة، فلم تكن كراهيته لـ «محور المقاومة والممانعة» سوى تجسيد لهذا الإرث ودفاع، لأن هذا المحور خنجر في العروبة واختراق مدمّر لها. تحدى نديم كل التهديدات من دون خوف، وأطلق صرخاته التحذيرية بينما هو يعيش بين الأفاعي المتربصة به، الحاقدة عليه بسبب سياطه المؤلمة التي فضحت لعبتها، وكشفت مستور توجهاتها، ومنطلقات خطابها. منذ انطلاق «عاصفة الحزم» كان نديم العنوان الأبرز في مجابهة أكاذيبه، وتعرية خطابات أمينه المتشنجة، فكان رعباً مستديماً لنصرالله وأعوانه، فهو يتناول التناقضات الفاضحة، والولاء المطلق لطهران على حساب الوطن والعروبة والإسلام. في كل مرة يظهر نصرالله يتعقبه نديم كلمة بكلمة فيهلهل كل مقولاته ويزيده تميزاً وغيظاً، فإن كانت «عاصفة الحزم» تحرقه يومياً في الميدان، يجيء قطيش ليكوي لسانه، وينشر حقيقة انتمائه الأيديولوجي وشره على لبنان قبل غيره. يتميز بهدوئه وعقلانيته، فلا يستفزه الصراخ بل يوغل سِكّينه التحليلية في مفاصل المواقف والكلمات فتَظهرَ عارية منكشفة وإن تسترت بالعمائم والأردية، داعياً المتلقي إلى الاستيعاب والفهم عبر منطق متماسك، فلا يكون مجرد ضجيج مقابل. هو جلاد محترف يقدم وجبة سياط يومية للحزب ومَن وراءه، ويفتح عيون الناس واسعة فلا يتعاطفون مع مجرم لكثرة بكائه بل ينشدون عقاباً أقسى وأشد لحماية أنفسهم والأجيال القادمة وإنقاذ عروبتهم قبل أن تكون مطية مستكينة للقادمين من وراء الخليج العربي. الشتائم والتهم سهلة ومتاحة، لكنها لا تعني سوى إسفاف في اللغة، وفقدان للمنطق والثقة، أما السخرية الهادئة المتكئة إلى حقائق موثّقة فإنها تطرد نعاس التبعية وإن اقتضى الإيقاظ فترة أطول. حزب الله ومِن خلفه فريق المقاومة والممانعة، يحبون الشتائم لأنهم يجذبون الطرف المعتدل لميدان مهارتهم فيتغلبون عليه سريعاً، أما ذلك الوخز القاسي بهدوء، فهو يحيل الصراخ إلى بكاء وألم بعد أن كان تهديداً وترويعاً. أداء نديم قطيش على رغم إمكاناته المحدودة يعيد للناس ذاكرتهم، ويستثير غيرتهم، ويشعل وعيهم، ما يجعل هذا النوع من المعالجة الإعلامية هو الأكثر تأثيراً والأطول ديمومة، ومن ناحية أخرى يوجع الكذابين الصارخين فيحجزهم في مصائد التبرير والتملص، ويصرف عنهم الجمهور فتغدو حالهم أقرب إلى ادعاءات شخص في غرفة مصمتة. الأمر الجميل أن نصرالله لم يتوقف هذيانه منذ أن أوجعته وأسياده «عاصفة الحزم»، فأتاح لنديم وزملائه مادة وافرة من الأكاذيب السهلة، وركاماً من الأخطاء والمغالطات. شكراً لـ «عاصفة الحزم»، فلقد أسقطت كل الأقنعة وأعلت الأصوات الغيورة، وطهّرت العروبة من كل أدرانها. *نقلاً عن "الحياة"