أكدت صحيفة الغارديان في تقرير ترجمته الرياض بوست أنه وثلاثة عقود من الإنسحاب العراقي لا تزال الكويت تعاني من أضرار كارثية فيما يعتبره البعض من أسوأ الكوارث البيئية في العالم.
وكانت القوات العراقية التي أجبرت على الإنسحاب من الكويت بعد تدخل دولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية في عام 1990، قد تعمدت إحراق مئات آبار النفط مسببة كارثة بيئية ما تزال آثارها إلى اليوم. وتتذكر الدكتورة سميرة عاصم، الباحثة في معهد الكويت للأبحاث العلمية، ذلك اليوم قائلة "ما زال صوت حرائق النفط المتدفقة في ذاكرتي.. أتذكر رؤية ماعز ميت يغرق في بحيرة نفط».
واحترقت آبار النفط بشكل لا يمكن السيطرة عليها. وامتد أعمدة الدخان فوقها في البداية لمسافة 800 ميل. وتسبب تدفق 11 مليون برميل من النفط الخام في الخليج العربي، في ظهور بقعة بطول 9 أميال. كما تشكلت ما يقرب من 300 بحيرة نفطية على سطح الصحراء، مما أدى إلى تلويث التربة. وكافح تحالف دولي من رجال الإطفاء الحرائق لأشهر حتى تم إغلاق آخر بئر في 6 نوفمبر 1991، واحتفلت الكويت تحت سماء صافية، لكن وإلى اليوم لا تزال أكثر من 90 في المئة من التربة الملوثة غير المحمية مكشوفة.
ويعد الوصول إلى المواقع الملوثة مقيد، ويرجع ذلك جزئيا إلى مخاوف تتعلق بالسلامة، ناجمة عن رمي المتفجرات التي خلفتها القوات العراقية أثناء انسحابها. ويصل التلوث في بعض رؤوس الآبار حاليا إلى عمق 4 أمتار. ووقع معظم الضرر في حقول برقان النفطية بالصحاري الجنوبية للكويت، وهي أرض قاحلة عرضها 500 كيلومتر مربع، وتضم أكثر من 100 بحيرة نفطية ملوثة. وفي إحدى البحيرات النفطية المتأثرة بشدة والمعروفة باسم بحيرة 105، تظهر دوائر بعرض متر من الحمأة السوداء.
ووفقا لمشاري المطيري، المستشار البيئي في شركة نفط الكويت، والذي زار البحيرة لأول مرة في عام 2015، فقد كان قادرا على تجريف التربة لكشف تدرج اللون البني، كمؤشر على مستويات التلوث. كما رأى المطيري بركا ضخمة من الزيت الأسود بما يكفي لإغراق الطيور المهاجرة التي تسقط في الأراضي الزيتية. وفي أماكن أخرى من حقول النفط الشمالية في الروضتين وأم العيش، المصدر الوحيد لخزانات المياه العذبة في الكويت، تغطي القشور الظاهرة من بحيرات النفط الجافة التربة الملوثة.
وعلى الرغم من أن المطيري يقول إن الرمال التي تهب عليها الرياح غطت أجزاء من بحيرات النفط في الشمال والجنوب الشرقي، مما ضاعف عددها على مر السنين، فإن المواد الكيميائية الضارة لا تزال موجودة في التربة حتى اليوم. ووفقا لمعهد الكويت للأبحاث العلمية، تمت إزالة 2.3 مليون متر مكعب فقط من الرمال الملوثة - ما يقرب من 10 في المئة - بنجاح اعتبارا من يونيو 2021 في عملية تُعرف باسم المعالجة، حيث تمت معالجة حوالي 1.7 مليون متر مكعب في الشمال، و580 ألفا في الجنوب الشرقي، حيث تقع حقول برقان النفطية. ويقدر أن هناك 19 مليونا أخرى بحاجة إلى التنظيف.
ويشعر الباحثون ودعاة الحفاظ على البيئة بقلق عميق بشأن المخاطر التي يشكلها على النظام البيئي وصحة الإنسان. وقالت عاصم: «يجب معالجة المياه في أسرع وقت ممكن. تتمتع صحراء الكويت بموارد قيمة يجب حمايتها والحفاظ عليها". وعانى الكويتيون آثار التلوث. ويعد جيفري هول، المحارب الأمريكي المخضرم الذي تم تجنيده خلال حرب الخليج، من بين العديد ممن عانوا من تلف حاد في الرئة بعد استنشاق السموم من الدخان.
وقال الطبيب لجيفري أن الأمر وكأنه دخن ثلاث علب سجائر كل يوم لمدة ثلاث سنوات. وبالنسبة لهول، الذي تعرض للسموم لمدة أسبوع خلال فترة وجوده في الكويت، فإن تشخيصه عام 2017 بالساركويد الرئوي، وهو مرض نادر يتكون من كتل صغيرة من الخلايا الالتهابية، يستمر ضرره مدى الحياة.
ومنذ عام 2005 منحت لجنة التعويضات التابعة للأمم المتحدة الكويت ما يقرب من 3 مليارات دولار لمعالجة الضرر البيئي . وخصص الجزء الأكبر من الأموال، البالغ أكثر من ملياري دولار، لإصلاح 114 كيلومترا مربعا من المواقع المتضررة وإعادة الغطاء النباتي.
و بعد سلسلة من التأخيرات من دورة العطاءات المطولة والإجراءات البيروقراطية الطويلة والإلغاءات في اللحظة الأخيرة، قامت شركة نفط الكويت، التي تقود العمل، بترسية مناقصتين عام 2020، ومن المتوقع إصدار ثالثة قبل نهاية العام، لمعالجة حقول النفط التي تتركز في شمال وجنوب شرق البلاد.