العراق الحديث كما نعرفه، وليس العراق التاريخي الحضاري، هو بعد قيام المملكة الهاشمية فيه، حين نودي بفيصل بن الحسين ملكًا على العراق في أغسطس (آب) 1921. مرّ العراق قبلها بفترة انتداب إنجليزي، اشتعلت فيها المقاومة لهذا الانتداب، وتجلّت في ما عرف بثورة العشرين، ثم قيام المملكة، من فيصل الأول مرورًا بغازي حتى نهاية الحكم الملكي عند فيصل الثاني، بمأساة دموية (1958). تكون العراق في البداية من الولايات الثلاث، البصرة وبغداد والموصل، وهي مراكز الدولة العراقية الكبرى، الجنوب والوسط والشمال. كان العهد الملكي، على كل عيوبه، مميزًا بالتسامح الطائفي، والشعور الوطني، والنهضة العامة. والحريات السياسية، قياسًا بعهود الانقلاب التالية. مع إتيان حكم اليسار ثم «البعث»، ثم غزو صدام للكويت 1990، ثم غزو الأميركان لعراق صدام 2003، لتعقب ذلك هيمنة الأحزاب الشيعية الدينية على الحكم، تغيّر وجه العراق كثيرًا، وتغيّرت معه مرتكزاته الجامعة الوطنية العراقية. والكل كان مشاركًا في إضعاف هذه الجامعة، الشيعة والسنة والكرد. الآن يحنق كثير من الوطنيين العراقيين العلمانيين، ومعهم أيضًا بعض رجال الدين، خاصة من الشيعة، من اتجاه الانقسام القائم في العراق. قبل أيام مرّرت لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي، مشروع القانون الذي طرحه العضو فيها ماك ثورنبيري. قانون يفرض شروطًا لتخصيص مساعدات عسكرية أميركية للعراق بقيمة 715 مليون دولار من ميزانية الدفاع لعام 2016. القانون ينص على تخصيص المبلغ المذكور للقوات المشاركة في القتال ضد تنظيم داعش، على أن يذهب 25 في المائة منه مباشرة إلى قوات البيشمركة والقوات السنية. واشترط القرار صرف الـ75 في المائة المتبقية من المبلغ، بعد أن تقدم وزارتا الدفاع والخارجية ما يثبت التزام الحكومة العراقية بعملية المصالحة الوطنية، وفي حال فشلتا في إثبات ذلك يذهب 60 في المائة من المبلغ المتبقي للقوات الكردية والسنية. رئيس الوزراء حيدر العبادي وصف هذا القانون بأنه «ينتهك سيادة العراق ويغفل إرادة الشعب العراقي». حتى إياد علاوي، المناهض للأحزاب الدينية، خاصة الشيعية منها، اعترض وغضب وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن الكونغرس الأميركي قدم هذا المشروع لتبرير فشله السياسي في دعم العراق ووحدته واستقراره الأمني، وهو بهذا القرار أعلن التأكيد على حالة الهروب والتملص مما يجري في العراق من تدهور أمني». ومرجع المراجع السيد السيستاني رفض القانون، ودعا العراقيين لاتخاذ موقف وطني موحد. أما مقتدى الصدر فهو يهدد بمعاودة النشاط العسكري ضد الأميركان ردًا على هذا القرار. في الأثناء، يقوم مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان، بزيارة واشنطن، حاملاً معه حلم الدولة الكردية المستقلة. وفي الأثناء، تقوم القوات الحكومية بقيادة العبادي بحملات عسكرية ضد «داعش» في الأنبار، وقبل ذلك تكريت، بمعية الحشد الشعبي الشيعي، مناورًا حول رفض مشروع الحرس الوطني السني، وربما كانت لديه هواجس مشروعة هنا، لكن طائفية الحشد الشعبي تستدعي طائفية مضادة هي الأخرى. هل فقد العراق إغراء توحده؟ *نقلاً عن صحيفة "الشرق الأوسط"