العراق لم يوضع اليوم على سكين التقسيم، وقد كان هدفاً لهذه المؤامرة قبل عام ٢٠٠٨ مع بداية انسحاب الاميركيين في إطار صفقة تقاسم واضحة للبلد مع الايرانيين. لكن نظرية التقسيم سبقت ذلك التاريخ ويكفي ان نقرأ ما كتبته كوندوليزا رايس في مجلة "فورين بوليسي" يوم كانت في "مجلس الأمن القومي"، لكي نتأكّد ان كل ما يتردد عن تقسيم العراق ليس سوى نتيجة لمسار قد يشمل دولاً أخرى في المنطقة. ليس سراً أن جو بايدن هو أكثر المتحمسين لفكرة تقسيم العراق، فمنذ احتلال "داعش" الموصل وهو يكرر الدعوة الى تكريس الواقع التقسيمي المتزايد، دولة شيعية في الجنوب الغني بالنفط وحيث يمسك الايرانيون بمعظم الآبار، ودولة سنية في الوسط، ودولة كردية في الشمال الذي يتمتع بنوع من الحكم الذاتي منذ عام ١٩٧٤. لهذا من المضحك - المبكي ان ينخرط حيدر العبادي أمس في نقاش هاتفي معه حول القرار الذي أقرّته لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، والذي كان يدعو صراحة الى تسليح السنّة والأكراد كدولتين في العراق، لكنه عُدّل ليتضمن شرطاً واضحاً هو ان تزويد البشمركة والسنّة المساعدات العسكرية بشكل مباشر ومنفصل سيبقى قائماً إن لم تفِ الحكومة العراقية بالتزاماتها لتسليحهم! ولكن اذا كان مشروع الكونغرس يمثّل مشكلة بالنسبة الى الوضع في العراق، فإن نتيجة عملية التصويت التي أجراها مجلس النواب العراقي لاتّخاذ قرار يرفض هذا المشروع تشكّل مشكلة أكبر وأعمق وأخطر. فقد صوّت ١٦٠ نائباً شيعياً ضد القرار الأميركي، بينما انسحب النواب السنّة والأكراد من الجلسة، بما يعني ان المكوّنين السني والكردي هما مع التقسيم صراحة وعلناً. التحالف السني أعلن ان مقاطعته جاءت رداً على الفشل المتمادي للحكومة المركزية في تسليح عشائر المحافظات السنّية التي تقاتل "داعش". وأوضح ان الحكومة المركزية على رغم إزاحة نوري المالكي عجزت على مدى عام ونصف عام عن الوفاء بالتزاماتها في هذا الخصوص، أما الكتلة الكردية فأعلنت ان قرار مجلس النواب العراقي صدر خارج التوافق الوطني. وعندما نتذكر ان مسعود بارزاني سيبحث مع المسؤولين الأميركيين، خلال زيارته لواشنطن، في مجموعة من القضايا في مقدمها قيام الدولة الكردية، وأنه يحمل ملفاً متكاملاً عن هذا الموضوع سيطرحه بكل صراحة كما يقول فؤاد حسين رئيس ديوان رئاسة اقليم كردستان، فهذا يعني ان الرغبة في الذهاب الى التقسيم لدى المكوّنات العراقية تتجاوز الدفع الاميركي في هذا الاتجاه الخطير! لكن السؤال الأهم والأعمق يبقى: ماذا فعل المالكي ومن بعده العبادي لوقف التجاوزات التي تعمّق الرغبة في التقسيم، ولماذا تستمر عمليات الانتقام التي يقوم بها الحشد الشعبي ضد المناطق السنّية؟ نقلاً عن صحيفة "النهار"