تُعد كوريا الجنوبية مثالاً بارزاً للعديد من القوى الآسيوية المشاركة في الاقبال المتزايد على نفط الشرق الأوسط، فضلاً عن ميلها للتنافس مع الاقتصادات العالمية الأخرى للحصول على عقود مربحة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وربما كبلد خرج من الفقر المدقع والانهزامية إلى قوة هائلة وثرية، قد تعطي دروساً للدول العربية التي الآن في خضم تحديات مماثلة. ولذلك أجرت "الرياض بوست" مقابلة مع معالي السفير "أوه جون" المبعوث الكوري الدائم لدى الأمم المتحدة في نيو يورك. س: في عام ١٩٦٤ كان بلدكم أوتوقراطياً بناتج محلي إجمالي مساوي تقريباً لنظيره في مصر، أما اليوم فقد أصبحت ديمقراطية متطورة ومن أقوى اقتصاديات في العالم بناتج محلي إجمالي يعادل خمس أضعاف نظيره في مصر. فهل يوجد نموذج تنمية كوري يمكن لدولةٍ عربيةٍ أن تسعى إلى تقليده؟ ج: ما زلت أذكر، عندما كنت في الروضة فترة الستينيات، وأشرب الحليب في وقت مبكر من كل يوم في قدحٍ عليه شعار الأمم المتحدة، والذي كان جزءاً من المساعدة التي تلقيناها من الأمم المتحدة. اليوم نحن واحدة من الحالات القليلة للبلد التي قد تحولت من متلقي للمساعدات الأجنبية إلى مانح للمساعدات الخارجية خلال جيل واحد. عندما طُلب منا تحطيم "نموذجنا"، لدرجة أن هناك واحد، أؤكد على استثمارنا في التعليم، والذي يُعد استثماراً في المستقبل؛ وزعيم جيد مع رؤية لإدارة فعالة ومجتمع شامل. وفي بداية مرحلة التطوير لدينا لم نكن بلداً ديمقراطيةً، ولكن ثقافتنا التعددية ساعدتنا في أن نصبح كذلك. س: هذه هي المبادئ العامة، هل قُمت بشرح التجربة الكورية في مجموعة من المفاهيم التنموية التي يُمكن لأشخاص من الخارج دراستها، حياكتها، لتكن مناسبة؟ هل انشئت آلية يمكن من خلالها نقل ذلك؟ ج: ما نقدمه هو حركة سايماول أوندونج "القرية الجديدة"، التي كانت مبادرة سياسية بدأت في عام ١٩٧٠ من قِبل والد رئيستنا الحالية - وهي نوع من برنامج المساعدة الذاتية للتنمية الريفية. أنها ليست حلا سحريا، لكنها تعمل لمجتمعاتنا الريفية، ولدينا الآن نوع من البرنامج لإرساله إلى البلدان النامية الأخرى عن طريق برنامج الأمم المتحدة للتنمية. س: من الذي يقوم بالمشاركة؟ ج: إنها أكثر شعبية مع الدول الأفريقية، إن معظم الدول العربية الغنية بالنفط مثلاً لم يكن لديها المناطق الريفية في البداية، وإن كنت أدرك أن بعض الدول العربية الفقيرة لديها ذلك. كانت سايماول أوندونج مبادرة حاكم مستبد على المدى الطويل لتنظيم القرى إلى تجمعات تتمتع بحكم شبه ذاتي وتمكينهم من العمل في طريقهم للخروج من الفقر من خلال بناء الطرق، وشبكات الري، والإسكان. إنها تهدف ليس فقط إلى إثراء الريف وإنشاء بنية تحتية وطنية، ولكن أيضا لتحويل الثقافة الانهزامية والسلبية التي سادت في البلاد بعد سنوات من الاحتلال والحرب. عقدت الحكومة العام الماضي مؤتمراً دولياً لإصدار صيغة لـ "عولمة سايماول أوندونج" في العالم النامي. منذ ذلك الحين، التزمت بذلك ثلاثة عشر دولة آسيوية وأفريقية في سلسلة من "مشاريع قرية نموذجية". وكان المتقدمين للديمقراطية الوليدة مثل رواندا وكمبوديا، والتي حققت مؤخرا التحرر من إراقة الدماء والتمتع بالاستقرار لشن حملة طويلة المدى في الأرياف الخاصة بهم. المناطق الريفية المماثلة بليبيا واليمن، حيث الحكومة بالكاد تسيطر على الوظائف والحرب الأهلية، من غير المحتمل أن تقوم بالمشاركة. أما في البلدان الأخرى من العالم العربي، ربما تكون الظروف مهيأة للتعلم من جوانب أخرى من التجربة الكورية التي لم تتناولها مشروع "عولمة سايماول أوندونج". ففيما يتعلق بالمدى العربية الضخمة كالقاهرة على سبيل المثال, فهناك قائد يواجه مخاطر الانهيار الاقتصادي إذا فشل في جذب الاستثمار الخارجي، والقضاء على الفساد، وإصلاح التعليم، وتوفير مساحة للعناصر السياسية التقدمية في النمو والمشاركة في شئون الدولة. وبالنسبة له وللنخب المخولة في نجاحه، ما يهمه ليس أرياف كوريا ولكن قصة العاصمة سيول.ما الذي كان يتعلمه السفير في المدرسة بينما يحتسي الحليب من قدح الأمم المتحدة في مطلع الستينات؟ كيف كان الرجل العسكري القوي الذي حكم في وقت بناء قوة اقتصادية عالمية، فضلاً عن تأسيس مجتمع ديمقراطي من شأنه انتخاب ابنته للرئاسة بعد مرور ٤٠ عاماً؟ للعرب المعنيين باستراتيجيات التنمية الإبتكارية, فإنه ليبدوا مجدياً متابعة التحقيق في تلك "التجربة الكورية"، وبالنسبة لكوريا لتوسيع نطاق جهودها لـ"تصدير" نموذج التنمية بما يتجاوز البعد الريفي لتشمل مسائل التجديد الحضري وتنمية السياسية الوطنية، وبالأخص في المدن الكبرى ومؤسساتها