أن تبقى دولة دون رئيس لأيام فهذه أزمة حقيقية لا تتناسب مع عصرنا الذي تعيش فيه الدول مستقلة بعد اندحار زمن الاستعمار، فما بالنا ونحن بصدد دولة هي ثاني الدول التي نالت استقلالها عربياً بعد مصر ونعني اليوم لبنان الذي أتم عاماً دون رئيس لجمهوريته التي نالها عام 1942م. يرزح لبنان تحت وطء معطيات ارتهن لها، فاستدعى بعض ساسته أدوراً خارجية من أجل قرارٍ داخليٍ بحت لا يجوز ولا يليق بدولة عربية، لا يمكن تجاوز تأثيرها وثقلها السياسي أو الثقافي في الوطن العربي. انعكاس "الربيع العربي" حتى الآن في لبنان تمثل بأن يبقى دون رئيس، حالة تستوجب التمعن والتأمل في مآل هذه الدولة التي تعيش حالة اللاستقرار، وإن كانت الحرب الأهلية قد وضعت أوزارها قبل حوالي ربع قرن، فتدهور لبنان اليوم وتداعي بعض فرقائه عليه وتمكين الغرباء من أحقيته في الحياة وربط مصيره بمصير سوريا ورغبات إيران حالة لا تنم عن اتعاظ أو نضج سياسي أو وطنية لطالما تغنى بها اللبنانيون عبر نشيدهم "كلنا للوطن" الذي كُتب قبل نيل الاستقلال بعشرين عاماً. المنصب الرئاسي في لبنان اتفق على أن يكون مسيحياً قبل الطائف وبعده، وأن يختلف الفرقاء المسيحيون في اختيار وتزكية شخصية منهم لاعتبارات تتعلق بالأهلية أو الكفاءة لهذا المنصب فهذا مقبول، لكن أن يشغر هذا المنصب لاعتبارات وتصفية حسابات سياسية إقليمية، ففي ذلك مخاطرة ومقامرة كبيرة. إن عدم اتفاق المسيحيين على هذا المنصب يسلبهم حقهم ويهدد مستقبلهم السياسي عند أول منعطف حاد قد يمر به لبنان الذي اختطف من قبل "حزب الله" الذي ربط مصير البلاد بملفات المنطقة وعرض الوطن اللبناني كله للمجهول، ولم يكن أن يتأتى له ذلك لولا أن نأى لبنان بنفسه كما يقال ويردد ساسته. لقاء جعجع– عون أمس الأول في دار الأخير، طال انتظاره وإن انتهى إلى "ورقة نوايا"، فإن الطموح اللبناني والعربي اليوم هو أن ينتهي لبنان إلى أفعال لا نوايا، فالوقت ليس في صالح الجميع والمواطن اللبناني سئم تكاليف السياسة ودب في نفسه يأس من دولته التي يرى أن رمزها قد اختطف ورُهن حتى إشعار آخر.