الرياض - إصرار الرئيس الأميركي باراك أوباما على رفع العقوبات عن طهران حتى لو اضطره الأمر إلى استخدام «الفيتو» أمام معارضيه في الكونغرس كان رهاناً سياسياً على وجهة نظره باحتواء إيران اقتصادياً، ودمجها مع الأسرة الدولية في صفقات واتفاقيات لتبادل المصالح، والاستثمارات، بدلاً من المواجهة، والتصعيد، ومعارك «كسر العظم»، مع الإبقاء على فكرة إيران الدولة وليست القضية، ومساعدتها على الاحتفاظ ببرنامجها النووي بمكوناته الأساسية والعمل على إيجاد آليات لضبطه، ووقف أي تطور فيه يمكّنها من امتلاك سلاح نووي، مع تلويحه بفرض عقوبات على طهران إذا هي أخلت باتفاق البرنامج مع دول (5+1)، وهي رسالة تطمين للعالم ودول الخليج تحديداً، خاصة بعد اجتماعات «كامب ديفيد».
وفعلاً بدأت إيران منذ رفع العقوبات في بداية شهر يناير الماضي الانفتاح الاقتصادي على محيطها الخارجي بعد سنوات من العزلة، وتواصلت شرقاً مع الصين وباكستان وروسيا، وغرباً مع فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، ودول أفريقية ولاتينية أخرى، وأخيراً تركيا يوم أمس الأول، حيث تسابق الزمن لاحتواء نسبة التضخم -التي بلغت (42%) في أعلى معدل تصل إليه دولة تمثّل ثالث أكبر منتج للنفط في منظمة الأوبك وثاني منتج للغاز في العالم-، من خلال زيادة الاستثمارات الأجنبية في البلاد، وتحريك عجلة الإنتاج، وصولاً إلى نمو اقتصادي متوقع (5%) مع نهاية العام الحالي، وانخفاض التضخم إلى نحو (15-20%)، رغم التباطؤ الواضح في معدلات الإنتاج حالياً؛ نتيجة تخلّف المجتمع هناك تقنياً، وميله إلى العزلة أكثر من الانفتاح، إلى جانب -وهذا أمر مهم- تخوف كثير من المستثمرين الأجانب من الدخول في السوق الإيرانية، حيث لم يجدوا أنظمة واضحة، ومرجعيات محددة، فالواقع أن المستثمر لا يدري هل هو في ذمة الولي الفقيه أم حماية الحرس الثوري؟، أم مسؤولية الحكومة الصورية التي لا تملك مسؤولية القرار؟.
أمام هذا الحراك الاقتصادي الإيراني لم يتحقق رهان أوباما؛ فلا يزال داخلها منهكاً ومحبطاً، ولم تكف عن نفوذها وأطماعها وتدخلاتها في المنطقة، وأيضاً لم تتخلَ عن مشروعها في تطوير منظومة الصواريخ البالستية وآخرها «صاروخ عماد» الذي تفاخر به، حيث بدا واضحاً أن الانفتاح الاقتصادي الإيراني هو تحرير أميركي للأموال والقدرات الإيرانية نحو مزيد من الهيمنة، وخلط الأوراق، وربما للمواجهة والتصعيد مع دول المنطقة، خاصة المملكة، حيث لم يكن حرق السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد حدثاً عرضياً أو اعتراضياً على قتل الإرهابي نمر النمر، وإنما لإعلان التصعيد مع المملكة كدولة، وتعميق الخلاف والاختلاف معها؛ ليبقى ملتهباً في الساحة، بما يخدم مصالح دول أخرى يهمها أن تكون إيران وليس السعودية الضامن الإقليمي لأي اتفاق يتم التوصل إليه لتسوية صراعات المنطقة، خاصة في سورية.
ولكن يبقى السؤال: لماذا تم ربط العقوبات بالبرنامج النووي وليس سلوك إيران العدواني في المنطقة؟، لماذا تم ضبط سقف التخصيب وتجاهل سقف التجاوزات؟، ولماذا ننتظر تقييم وكالة الطاقة الذرية بعد أشهر لوضع خطة مؤقتة لستة أشهر قادمة يتم فيها إضافة أو تعديل بعض بنود هذه الاتفاقية؟، والجواب كان في الموقف السعودي المشروط من هذا الاتفاق؛ حين أكد مجلس الوزراء في 25 نوفمبر الماضي أنه إذا توافرت «حسن النوايا» فيمكن أن يشكّل هذا الاتفاق خطوة أولية في اتجاه التوصل لحل شامل للبرنامج النووي الإيراني، ومفردة «حسن النوايا» ليست ترفاً في الخطاب السياسي السعودي مع إيران، وإنما شرطاً تعجيزياً لها، حيث أثبتت مواقف المملكة، وتجاربها مع طهران عجزها التخلي عن مشروع الهيمنة، وتصدير الثورة، والتدخل في شؤون الآخرين، وبالتالي ما راهنت عليه المملكة هو ما نراه واقعاً وليس رهان أوباما الذي فشل كعادته!.