ما هو المستقبل الغامض الذي ينتظر الرئيس بشّار الأسد، في حال سقوط النظام الذي بناه والده الرئيس حافظ الأسد منذ 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 1970، يوم اعتقل خصومه وعلى رأسهم صلاح جديد؟ هل يمكن أن يلجأ الى إيران، مثلما فعل الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، الذي لجأ الى السعودية هرباً من الجماهير الغاضبة؟ أم أنه سيرفض التنازل عن النظام الحزبي الذي دفع ثمنه حتى اليوم أكثر من 250 ألف قتيل، بينهم 85 ألف عسكري ومدني ينتمون الى الطائفة العلوية. الصحف الفرنسية ادّعت أن الإسرائيليين نصحوا بشار الأسد، عبر وسطاء فرنسيين، بضرورة الانسحاب من دمشق الى اللاذقية، ما دام الجيش النظامي قادراً على تأمين انتقاله بحماية الطيران، خصوصاً أن الميليشيات العلوية المولجة بحراسته تنتشر في وسط دمشق وريفها، إضافة الى قوات أخرى موجودة حول حمص وطرطوس. وذكرت تلك الصحف أن النصيحة الإسرائيلية جاءت عقب احتلال تنظيم «الدولة الإسلامية» الرمادي في العراق... ومدينة تدمر في سورية، واستعداده لمواجهة قوات الأسد المسيطرة على المحافظات الواقعة غربي البلاد. وترى الأمم المتحدة أن احتلال مدينة تدمر حقّق لـ «داعش» هدفاً استراتيجياً بالغ الأهمية. ذلك أنه استولى على مدينة يزيد عدد سكانها عن خمسين ألف نسمة... وعلى قلعة تاريخية عُرِفَت بـ «عروس الصحراء». وبسبب عزلتها الجغرافية وصعوبة الوصول إليها، فقد اختارتها حكومة الانتداب الفرنسي في ثلاثينات القرن الماضي لتبني فيها سجناً خصّصته للعسكريين. ثم استخدمه حافظ الأسد في السبعينات، ليكون المعتقل الذي يزجّ فيه خصومه من جماعة «الإخوان المسلمين». وقد وصفته منظمة العفو الدولية بأنه «صُمِّم لإنزال أكبر قدر من الإذلال والقهر والتعذيب بالمساجين». وفي حزيران (يونيو) 1980، قام «الإخوان» بحركة تمرد وعصيان استمرت أياماً عدة، سقط خلالها نحو ألف قتيل. ومن أشهر الوقائع التي رُويت عن عذابات المعتقل ظهرت في كتاب «القوقعة» لسجين أمضى في ظلمته اثنتي عشرة سنة. واللافت أن حراس النظام هربوا مع مئات المعتقلين، عندما بلغهم أن رتلاً طويلاً من الدبابات والمصفحات وناقلات المحاربين، يتّجه نحو المدينة تحت الأعلام الداعشية السوداء اللون. وكان من الطبيعي أن تثير السهولة التي تمت فيها عملية الاستيلاء على المدينة وقلعتها التاريخية، دهشة المستغربين والمتسائلين حول أسباب اختفاء الطيران الحربي الأميركي والإيراني من سماء تلك المنطقة! وذكرت وكالات الأنباء أن جنود الجيش السوري النظامي هربوا من المدينة تجنباً للصدام مع الغزاة على رغم أعدادهم المتفوّقة، ومعداتهم العسكرية الكثيرة والمتنوّعة، وخلال يومين فقط نجح تنظيم «الدولة الإسلامية» في السيطرة على المدينة، مثلما سيطر على مدينة الرمادي في العراق. والمؤكد أنه في الموقعَيْن، استولى على كميات ضخمة من الأسلحة والذخيرة. ومع أن مئات الأسرى دُفنوا في الصحراء واختفت آثارهم، إلا أن حزبَي «الكتائب» و «القوات اللبنانية» يعدّان قائمة طويلة بأسماء 600 معتقل لبناني كانوا في سجن تدمر. وتشير المعلومات الى أن الجيش السوري أخلى سبيل سبعة آلاف سجين قبل وصول قوات «داعش» بيومين فقط. ويُستدَل من طبيعة الأخبار التي نشرتها الصحف الأميركية، أن إدارة أوباما كانت مقتنعة بانهيار «داعش»، بدليل أن النجاح المدوّي على الجبهتين العراقية والسورية قد فاجأها. ويرى العسكريون في إخفاق الإدارة، شهادة على فشل الغارات الجوية الاستعراضية، وانقطاع واشنطن عن الواقع في ميادين القتال. وترى الحكومة الفرنسية أن الموقف الأميركي الرسمي لا يوحي بالثقة والاطمئنان، كونه ينظر الى أزمات المنطقة بعيون إيران لا بعيون الدول العربية. والدليل على ذلك، أن الجيش الأميركي باشر قبل مدة برنامج تدريب مقاتلين من المعارضة السورية في تركيا. وقد فسّرت الإدارة هذا البرنامج بأنه يستهدف القضاء على «داعش» وليس على النظام السوري. ولكن الأحداث أثبتت عكس ذلك. ثم تبيّن أن واشنطن بدأت بتدريب نواة جيش وطني في الأردن، على أمل أن يلعب دوراً مهماً خلال المرحلة الانتقالية. وربما توقعت الإدارة الأميركية انهيار النظام السوري مطلع هذه السنة، بسبب الخسائر العسكرية التي مُنيَت بها قوات الأسد، أو بسبب الدعم الذي حصلت عليه المعارضة من دول إقليمية مثل تركيا وقطر. علماً أن هاتين الدولتين تتهمان النظام السوري بالتحالف الضمني مع «داعش»، لأن زحفه المتواصل يصعب تحقيقه من دون تغاضي قوات الأسد وتساهلها. يقول المراسلون إن الأمثلة على تناغم النظام والتنظيم كثيرة، خصوصاً بعد اجتياح تدمر والاستيلاء على مناطق الريف الشرقي لمحافظة دير الزور ومدينة البو كمال المتاخمة للعراق. وهناك مَنْ يزعم بأن محاربي «الدولة الإسلامية» قد أحكموا سيطرتهم على أكبر حقول النفط في تلك المنطقة. يُجمع المراقبون على القول إن تنظيم «الدولة الإسلامية» لا يمكنه التوجّه نحو بغداد والمناطق الشيعية في جنوب البلاد، قبل إنهاء مهمته في سورية، الدولة المنهَكة والمعتمدة على مقاتلي «حزب الله». وهذا ما يفسر عودة الحرارة الى بلدة عرسال وجرودها الممتدة على مساحة أربعمئة كيلومتر مربع. وهي بلدة سنّية مستنفرة دائماً إثر خطف عشرين عسكرياً لبنانياً في الصيف الماضي. وقد حذّر رئيس الحكومة تمّام سلام، من أخطار العبث بهذه الجبهة الحساسة، حيث يجتمع ثمانون ألف نازح سوري وخمسة وثلاثون ألف مواطن لبناني، وسط منطقة جبلية وعرة يستغلّها الإرهابيون وسواهم. الأهمية التي يوليها «حزب الله» لبلدة عرسال، تكمن في موقعها الاستراتيجي المميز. وفي حسابات قادته، أن سقوط هذا الممر الحيوي الوحيد سيمنع وصول الصواريخ والأسلحة الإيرانية الى البقاع وبعلبك، في حال استولى عليه «داعش» أو «جبهة النصرة». أي الأسلحة التي تنقل من ميناء اللاذقية، والتي تواجه عملية تمريرها صعوبات جمّة بسبب استيلاء «داعش» على المعابر الواقعة بين العراق وسورية. ويرى العسكريون أن تنظيم «الدولة الإسلامية» يطمح الى تفكيك قواعد «الهلال الشيعي»، من طريق فصل الجبهة العراقية عن الجبهة السورية. وتظهر الخريطة الاستراتيجية التي استكملت بعد احتلال الرمادي وتدمر، أن معابر الحدود أصبحت خارج السيطرة السورية أو العراقية. ومعنى هذا، أنه لم يعد لجيش بشار الأسد أي وجود مؤثر سوى داخل منظومة المحاور الغربية التي تربط بين دمشق وجبال القلمون. ومن هناك، يمتد نفوذه الى محافظة اللاذقية التي تعتبر المعقل المركزي للنظام. الصحف الفرنسية تتحدث عن تجمعات «داعشية» استعداداً لشنّ هجوم واسع، يبدأ بعزل اللاذقية من الجنوب، ومهاجمة حماة بهدف الوصول الى منطقة مصياف في الساحل. وتشير هذه الصحف الى وضع قاتم بالنسبة الى العلويين القاطنين في العاصمة، خصوصاً في حال عُزِلت دمشق، ووجد هؤلاء أنفسهم غير قادرين على الانسحاب الى جيب الأقليات في اللاذقية. ويبدو أن غالبيتهم قد انسحبت الى قرى علوية منتشرة حول حمص، وصولاً الى مدينة طرطوس. أما بالنسبة الى توقيت الهجوم الواسع، فإن الإعلام الفرنسي يشدّد على فترة أشهر الصيف، أي عندما ينشغل «حزب الله» في عرسال وجوارها. وتزعم هذه المصادر، المستقاة من الاستخبارات الغربية، أن «حزب الله» خسر أكثر من ألف قتيل، وحوالى سبعة آلاف جريح في سورية. وهذا، وفق تقديرها، يشكّل قوة عسكرية مهمة، من أصل ثلاثين ألف مقاتل يؤلفون نواة التنظيمات المسلّحة للحزب. وكما تفتح المؤسسات التجارية العالمية فروعاً لها في كل مكان، هكذا يفعل زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية» أبو بكر البغدادي. وهذا ما يفسّر الهجمات الإرهابية التي نفّذتها جماعته في ليبيا بواسطة مقاتلين تونسيين. ويبدو أن نشاط التونسيين في المنظمات الإرهابية قد استفحل، بحيث انتقل الى داخل حدود الجزائر. لذلك أعلن وزير الدفاع الفريق أحمد قايد صالح، حال الاستنفار بهدف تطويق المخططات المعادية كافة. واعتُبِر هذا الإجراء بمثابة تطمين للمواطنين الذين تخوّفوا من تنامي هذه التيارات المتشدّدة التي تشهدها الجزائر من مقاتلي «القاعدة» في الجبال والمناطق الجنوبية. وكان رئيس وزراء العراق حيدر العبادي، يعوِّل كثيراً على مؤتمر باريس، وما يحمله التحالف الدولي من مقترحات عملية لمواجهة تمدّد «داعش» في العراق وسورية. ثم جاء البيان الختامي ليثبت أن هناك دولاً كبرى تستفيد من القلق الدائم الذي يحدثه تنظيم «داعش» في العالمَيْن العربي والإسلامي... وأن إيران تبرر تدخّلها، في لبنان وسورية وفلسطين واليمن والعراق، بحجة الدفاع عن حلفائها وأنصارها. وهكذا تصبح «الدولة الإسلامية» السنيّة حاجة ضرورية لتبرير الحروب في المنطقة!