أميركا دولة ضالعة بالتجسس على رؤساء الجمهورية الفرنسية بين 2006 و2012، وهذا يعني عملياً أنها تنصتت على الرؤساء شيراك وساركوزي وهولاند، وقبلها قامت بذلك على هواتف المستشارة الألمانية انغيلا ميركل، يحدث ذلك مع الحلفاء والأصدقاء الأوربيين، فماذا عن أصدقائها في الشرق؟ شراهة واشنطن إلى التنصت وانتهاك الخصوصية، بدأت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وقد بلغ الارتياب حالة اختلطت فيها مفاهيم الخصوصية والحرية التي تبارز بها أميركا دول العالم الثاني والثالث، فغدت حبراً وشعاراً وتمثالاً، إذ شرّعت واشنطن لأعمال التجسس باستصدار "قانون باتريوت" الذي رفض مؤخراً الكونغرس تمديده والذي يتيح للأجهزة الأمنية الأميركية التنصت على أبناء العم سام، وهو ما حدا بالبيت الأبيض إلى اعتبار رفض التمديد "فشلاً وتصرفاً غير مسؤول"! دفعت تلك التصرفات التي تتناقض مع المبادئ الأميركية إلى خروج متمردين لم يستطيعوا التكيف مع هذه الخروقات؛ آخرهم ادوارد سنودن، الذي قال يوم أن كشف للصحافة الدولية عن برنامج "بريسم" الأميركي للتجسس: "أنا مستعد للتضحية بكل ما أملك لأن هذا التجسس يشكل تهديداً حقيقياً للديمقراطية التي ننادي بها في بلادنا". ليفصح فيما بعد عن قدرة وكالة الأمن القومي الأميركية على الدخول مباشرة إلى الخوادم الخاصة لكل من مزوّدي الخدمات الأميركية: مايكروسوفت، ياهو، غوغل، آبل، فيسبوك، يوتيوب، سكايب، آي أو إل، وبالتوك.. تتجسس أميركا على الديموقراطيات في العالم حيث حس المسؤولية والرقابة وحرية الصحافة والبرلمانات المنتخبة والديموقراطية العتيقة ومؤسسات المجتمع المدني القوية في فرنسا وألمانيا ودول تعلم منها الأميركيون أسس السياسة وصياغة القرار. الواضح أن واشنطن اليوم تغامر بسمعتها وصداقاتها أكثر من أي شيء آخر، وتدفع نحو تأسيس مفهوم جديد في العلاقات الدولية ينسف مفهوم الثقة الذي نسمعه في الكلمات الرسمية للمسؤولين الأميركيين، ندرك أن دولاً عدة ربما تشرع في عمليات تجسس هنا أو هناك؛ لكنها محدودة، وفي العادة تكون تجاه أشخاص تدور حولهم شبهات عدة، لكن أن تلجأ للتجسس على رؤساء دول تلتقي بهم وتنسق معهم نهاراً وتصفهم بزملاء الحرب والسلم وتتنصت على مكالماتهم ليلاً، فهذه "بارانويا" ولا أكثر.