يبقى الوضع السوري الأكثر تعقيدًا في المنطقة فلم بصبح الوضع عبارة عن أطياف داخلية متصارعة ومتنازعة بل أصبح الوضع عبارة عن حرب بين دول إقليمية وقوى عالمية كل يريد تحقيق إنجاز على الأرض. ويبدو أن حل الأزمة السورية بدأ عصيًا، فلم تنجح مؤاتمرات الحوار بجنيف ، ولم تؤد حلول الوساطة إلى بصيص أمل لإنهاء الأزمة، والحلول الوسط يضرب بها عرض الحائط بسبب رفض جميع الأطراف التنازل ولو بالقليل. وسط هذا كله يستمر النظام السوري في استخدام الوسائل الوحشية كافة للبقاء في الحكم؛ كإلقاء البراميل المتفجرة على شعبه. والمعارضة السورية، المعتدلة منها والهمجية، ليست مستعدة للتفاوض مع من لا يأبه بما يحصل لشعبه مقابل البقاء في الحكم. وفي الوقت نفسه، لم تنجح هذه المعارضة في تقديم بديل مقنع؛ لا على مستوى القيادة، ولا لناحية طمأنة مكونات المجتمع السوري كافة، وبخاصة العلويين والمسيحيين، بأن حقوقهم محفوظة في أي نظام سوري جديد. ولكن على الأرض هناك تطورات جديدة فالمعارضة نجحت في تحقيق اختراقات في الميدان خلال الأشهر الماضية، بحسب تقارير عدّة موثوقة، وإلى درجة أن أعلام تنظيم "داعش" على وشك أن ترفع في بعض أحياء دمشق، في المستقبل غير البعيد. هذا التطور بدأ يؤدي إلى مباحثات أكثر جدية بين الجانبين الأميركي والروسي. فالجانب الأميركي بات يشعر أنه لا مناص من إشراك الروس، بشكل جدي، في أي حل. كما أن الجانب الروسي بات يشعر أن الأمور قد تخرج عن سيطرة النظام السوري. والجانبان قلقان من أن الذي بات يكسب على الأرض هو المعارضة الراديكالية؛ أي تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة". حتى إيران باتت أكثر قلقا من أي وقت مضى؛ تعبر عن ذلك تصريحات حسن نصرالله الأخيرة، وتصريح قاسم سليماني بالوعد بمفاجأة جديدة، يعتقد البعض أنها تتمثل في إحضار 10000 إلى 15000 عنصر جديد من الحرس الثوري الإيراني إلى سورية، ولو أن البعض يعتقد أن حتى هذه الخطوة قد تكون متأخرة. يقول دكتور مروان المعشر نائب رئيس الدراسات بمعهد كارنجي أن كافة الأطراف ؛ الداخلية والخارجية، تشعر بالإنهاك. وهذا تطور جيد. وأن هناك تخوف حقيقي من تقسيم سورية لأربع مناطق ، لذا، تتجه الجهود الدولية لوقف إطلاق النار في حلب وتعميمه بالتدريج على باقي مناطق النزاع. ويقول المعشر هناك محاولة أخيرة تتمثل في الدفع إلى تشكيل حكومة تحظى بالحد الأدنى من القبول المحلي والدولي، بما في ذلك روسيا وإيران، وتضم النظام السوري ومعظم أطياف المعارضة عدا "داعش". ومن ثم، تقوم هذه الحكومة بتقديم طلب رسمي للمجتمع الدولي لمحاربة "داعش" ودحره، تمهيدا للانتقال إلى وضع أسس جديدة لنظام سوري جديد. وفي كل الأحوال، فقد بات المجتمع الدولي مقتنعا بضرورة المحافظة على الجيش السوري، وعدم السماح بتسريحه كما حصل في العراق وأدى لنتائج وخيمة على ذلك البلد. وتبقى هذه المحاولة ضعيفة على حد قول المعشر و تبقى هذه الفرص مرتبطة ارتباطا وثيقا بالتطورات على الأرض، والتي تبدو اليوم أنها في اتجاه حلحلة الوضع الحالي.