يوثق الموريتاني محمد ولد صلاحي يومياته في المعتقل الأميركي غوانتانامو في كتاب "يوميات غوانتانامو" ليوثق نحو عقد من "الحرب الأميركية على الإرهاب". ويسلط الصحفي عمران فيروز لموقع قنطرة على انطباعات المعتقل السابق وضروب التعذيب فيها. سرعان ما يكتشف قارئ "يوميات غوانتانامو" أنها وقعت ضحية رقابة الولايات المتحدة الأمريكية ، فالكثير من الكلمات والجمل والصفحات تم طمسها باللون الأسود. رحلة عذاب المعتقل الموريتاني بدأت منذ زمن، حيث قاتل صلاحي في أفغانستان جنبًا إلى جنب مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) والمجاهدين الأفغان ضد الحكومة التي كانت ألعوبة بيد الاتحاد السوفيتي، واعتـُقل أوَّل مرةٍ في سنة 2000 من قبل السلطات الموريتانية. وبعد ذلك اعتـُقل المرة تلو الأخرى بذريعة أنه متورِّطٌ بهذا النشاط بدون أدلةٌ ملموسة ضده إطلاقًا. كما أنَّ كلاًّ من ألمانيا حيث درس صلاحي، وكندا حيث عمل فترةً من الزمن، أقرتا بنظافة سجلِّه. وقد أُجبرت المخابرات الموريتانية بالتحقيق معه المرة تلو الأخرى بسبب ضغوط الولايات المتحدة الأمريكية. وبات الأمرُ نوعًا من الروتين بالنسبة لصلاحي، الذي كانت تربطه علاقة ودية بمعظم الموظفين، فكان يعرف همومهم وقصص عائلاتهم، بينما كان كلٌّ منهم يعلم أنَّ صلاحي بريءٌ تمامًا. ولم يتوقع أبدًا أنْ يتم تسليمه ذات يوم. بيد أنَّ ذلك تغيَّر فجأةً في سنة 2001، فبعد أسابيع قليلةٍ على هجمات الحادي عشر من سبتمبر تم ترحيل صلاحي إلى المعتقل في الأردن، بينما يُعتبَر النظام الأردني من أقرب حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في "الحرب على الإرهاب" وهو معروفٌ بأساليبه في التعذيب على وجه الخصوص. هناك وُضِع صلاحي عدة أشهرٍ في سجن تحت حراسة مشدَّدة، إلا أنَّ الأردنيين لم يستطيعوا أيضًا أن يثبتوا عليه أية تهمة. ثمَّ نُقل بعد ذلك إلى قاعدة بغرام الجوية في أفغانستان، التي يكاد معسكر الاعتقال في كوبا أن يكون فردوسيًا مقارنةً بالمعتقل في القاعدة الجوية الأمريكية في بغرام. وقد شاهد صلاحي في بغرام كيف كان المسنّون الأفغان يُعتقلون ويتعرضون للأذى والتعذيب بسبب أغبى الشكوك وحالات الاشتباه. عندما وصل صلاحي إلى غوانتانامو لم يكُن يَعرف بمكان وجوده بدايةً. ولكن بعد سجون عمَّان وبغرام آثرَ الاستمتاع بالشمس – حتى لدى تعرُّضه للضرب في العراء. هذا ويتكرر في كتاب صلاحي ذكر نقص أشعة الشمس، ونقص الضوء، بل ونقص الحرية. الكتاب الذي دُوِّن بالكامل في زنزانته بخط اليد. تعلم هناك اللغة الإنجليزية أيضًا، التي لم يكُن يتقنها في البداية. معظم أساليب التعذيب في غوانتانامو معروفة منذ فترة طويلة. ومع ذلك، تبدو مخيفةً أكثر لدى روايتها من قبل الشخص المعني. السجّانات اللواتي ينتهكن صلاحي ويغتصبنه من خلال تلقينه درسًا في "الجنس الأمريكي"، والحرمان المستمر من النوم، والضربات والركلات التي لا تـُعد ولا تحصى، وحظر الصلاة، والتعرض لعدد كبير من الفظائع الأخرى توضح مرة أخرى الظلم اليومي في المعتقل. إلا أنَّ صلاحي لم ينسَ في ظلِّ كلِّ هذه الظروف أنَّ معذبيه بشرٌ مهما بلغت درجات فظاعاتهم. وهكذا نجده لا يكتب فقط عن الحرَّاس القوميين المتطرفين الذين يمقتون صلواته باعتبارها "إهانة لأمتهم"، بل يكتب أيضًا عن أولئك الذين بكوا لدى انتهاء عملهم ومغادرتهم المعتقل مؤكدين على صداقتهم له. "أيها الرجال أنتم إخواني"، قال أحدهم. وعندما باحت إحدى الممرضات بحبها لأحد السجناء، الأمر الذي أدى لتلعثمه، ضحك صلاحي. حسبما تؤكد نانسي هولاندر محامية صلاحي. إن موكِّلُها على علمٍ بنشر الكتاب ونجاحه، فقد صار الآن على قائمة صحيفة "نيويورك تايمز" للكتب الأكثر مبيعًا. ليندا مورينو، وهي محامية أخرى وناشرة كتاب اليوميات، زارت صلاحي في شهر فبراير 2015 وأخبرته عن نجاح الكتاب. أرادت مورينو أيضًا أنْ تعطي صلاحي نسخةً من كتابه الأكثر مبيعًا. إلا أنَّ السلطات في غوانتانامو رفضت ذلك، والكتاب الوحيد الذي سمح له أنْ يحتفظ به حتى اليوم هو القرآن. تعلَّم صلاحي خلف قضبان السجن اللغة الانكليزية، إلا أنه فُطِر على رواية القصص. وهو الذي تعرض للتعذيب يسعى باستمرار لأنْ يبقى منصفًا. واحتفاظه بنزعة الفكاهة اللاذعة لديه حتى بعد كل الظلم الذي عايشه، يدهش حتى قُرَّاءه.