عيش معظم السعوديين أزمة نفسية طاحنة، يملكون اعتقاداً راسخاً بأنهم شعب مستهدَف، سواءً في أفكارهم أم معتقداتهم، أو حتى في وطنيتهم، لذا، سريعاً ما يصابون بانتكاسة غريبة، تجعلهم غير واثقين تماماً مما هم مقدمون عليه مستقبلاً، يشعرون بأنهم مجتمع محاصَر، متناسين بأن هناك فارقاً بين أن تكون محاصراً، وبين أن تكون مجتمعاً تمتلك خصوصية فريدة، ينظر إليها بقية العالم الإسلامي بنظرة مختلفة؛ لوجود الحرمين الشريفين (مكة المكرمة والمدينة المنورة)، وهذا ما يدعو المملكة لأن تكون مختلفة بعض الشيء عن نسيج بقية دول مجلس التعاون، ولو أن هناك تقارباً ملحوظاً في التفاصيل الاجتماعية، لكن يبقى هناك سعوديون يتوهمون بأنهم على الدوام بحاجة إلى الخروج من السجن النفسي والاجتماعي إلى ما هو أعمق وأكبر، وأنهم مناضلون في بقائهم أحياء، على رغم أنهم من أكثر شعوب العالم تجوالاً وسفراً، وأكثر الشعوب كرماً وإسرافاً، وهو شعب يبحث دوماً عن سعادته بشتى الطرق، لكنهم حتى هذه اللحظة لا يزالون يعيشون ذلك الوهم، بأن كل ما يقومون به حتى لسعادتهم الشخصية، هو يأتي من باب النضال.زوج يتحمل مسؤولية أطفاله أثناء مناوبة زوجته الطبيبة، يعتبر نضالاً مقدساً، امرأة تقود سيارتها في وضح النهار في شارع منزوٍّ، أيضاً مناضلة لأنها تدعم قضيتها.مدرس كيمياء يزداد نصيبه في الحصص الدراسية، لا يشك ولو لنصف ثانية أنه موظف مناضل، شاب يحصل على بعثة دراسية، وتكاليف البعثة لا تفي بحاجاته اليومية، يعيش بينه وبين نفسه أنه مناضل من الدرجة الأولى، هناك اختلال في موازنة الفكر لدى بعض السعوديين، أنهم لا يدركون ما معنى النضال الحقيقي، ولا يدركون كيف لهم أن يتعلموا بأن يتعايشوا مع الكثير من الإحباطات، التي يعايشها الآلاف، بل الملايين غيره من المجتمعات الأخرى.شعور بعض السعوديين العميق بأنه مستهدف يعطيه انطباع بأن خروجه من القمقم الاجتماعي من وطنه هو الحل الأسلم، لذا تجد بعض الإعلاميين السعوديين الذين يعيشون -على سبيل المثال- في دبي، يبدأون في نقد وطنهم بسوط لاذع، وعبر مختلف برامج الإعلام والتواصل الاجتماعي، وهم يشعرون بأن ما يقومون به ما هو إلا خدمة جليلة، لإحساسهم بالمسؤولية تجاه وطنهم، وبأن على الوطن أن يكون صورة عظيمة من النجاحات المتتالية، صورة -للأسف- يتم رسمها من قبلهم هم شخصياً، من دون التفكير إذا ما كانت هذه الصورة، تتناسب مع مختلف الشرائح في الوطن أم لا؟ المواطن السعودي يتألم بأن هناك مشاريع في وطنه لم تكتمل، وكأن هذا الأمر لا يكون إلا في وطنهم، متناسين عدداً من الأحداث التي شهدتها دول أوروبية، تم على إثرها إقصاء وزرائها بسبب اختلاسات وصفقات مشبوهة. سعودي يشتكي من الحفريات والزحمة التي لا تطاق في العاصمة، وأي شخص سبق أن سافر إلى لوس أنجليس، سيكتشف بأن شوارعها هي أقرب شبهاً إلى شوارعنا، قبل أن يتم نبشها ومحاولة إعدادها بشكل جيد وملائم، كما أن الزحمة في لوس أنجليس لا تحتمل، وفي البحرين والكويت كذلك، إنه يريد وطناً على مقاسه الشخصي. ولا ننسى عدد الأخبار التي تداولها الإعلام في أميركا، عن فساد الشرطة، إثر اعتقالات جرت لعدد من الملوَّنين وقتلهم، من دون أن يكون هناك أي مبرر لاستخدام العنف، فقط لاختلاف لون البشرة، وهذا ما لا يحدث في السعودية، فنحن لا نحاكم الآخرين بسبب ألوانهم. ما يعنيني في ذلك هو أني مهتمة كثيراً في أن يتخلص السعوديون من عقد الضغط الاجتماعي، التي صنعها هو تحديداً، إنه شعب يميل إلى الكسل، ويريد من الحكومة ومكاتب الوزراء بأن يقوموا بكل شيء من أجل رفاهيته، بينما هو لا يحرك ساكناً، وإن تحرك خطوة إلى الإمام، فهو يعتبر ما قام به نضالاً مجيداً. *نقلا عن "الحياة" اللندنية