بعد خلاف على أفضلية المرور أقدم طارق على طعن جورج فمات جورج بعد ساعات متأثرا بجروحه.. جريمة قتل مروعة التقطت كل تفاصيلها هواتف المارة في شوارع بيروت. تحولت المشاهد إلى فيديو تداوله الآلاف في لبنان وخارجه وأرفق الفيديو بتعليقات طائفية على وسائل التواصل الاجتماعي استخدمت فيها كل مخزونات الكراهية وما راكمته مشاعر الاحتقان بسبب الأزمة اللبنانية والإقليمية.. الحادثة ليست فريدة ولا معزولة للأسف. هناك الكثير من حالات الاحتقان اليومي المماثلة في بلادنا لأسباب طائفية أو مذهبية أو عرقية تصب في النهاية في خانة التحريض ضد الآخر والتي أمنت لها ساحات مواقع التواصل الاجتماعي منصات مفتوحة أطلقت العنان لمشاعر العنصرية والكراهية حتى باتت من عاديات التخاطب على السوشيال ميديا. في الأسبوع الماضي أثار المقرر الأممي الخاص للأمم المتحدة المعني بالأشكال المعاصرة للعنصرية في تقرير له مخاوف جدية من تطور تلك الأنماط العنصرية بسبب التقدم التقني الذي يسهل انتشار الشعور المعادي للغير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ تعد مظاهر العنصرية وكراهية الأجانب والأقليات شائعة في وسائل الإعلام وعبر مواقع التواصل الاجتماعي.. التقرير حفل بأمثلة كثيرة من أوروبا ودقّ ناقوس الخطر لجهة استخدام التكنولوجيات الحديثة بصورة أدوات لنشر الأفكار العنصرية وتوسيع شبكة المؤيدين لتلك الآراء في ظل الحماية التي توفرها هذه المنصات لهوية من ينشرونها.. طبعا لا نحتاج إلى دراسات في المنطقة العربية لنتحقق من كم العنصرية والكراهية الذي تزخر به مواقع السوشيال ميديا وكم سهلت تلك المنصات انتشارها وتداولها.. هذا الكلام لا يعني بأي حال أن المشكلة هي في تلك المنصات. نعم، لقد غيرت التكنولوجيا الكثير من الأمور لكن هناك أشياء لم تستطع تغييرها وهو العقل الإنساني المسؤول بالدرجة الأولى عما نرتكب ونفعل ونشعر ونقول. فالسوشيال ميديا تساعد على الانتشار والتعميم أكيد لكنها أيضا تستخدم لمنع انتشار الآيديولوجيات العنصرية ومشاعر الكراهية إن رغبنا.. لا شك أن أحد أسباب قوة السوشيال ميديا هو أنها تستجيب لرغباتنا الأولى، فنحن ننجذب لفكرة أننا يمكن أن نصرخ بما نشاء وأن يسمعنا آخرون خصوصا حين نريد أن نعبر عن مشاعرنا بشكل غرائزي أحيانا.. فحين يقدم طارق على قتل جورج وتنتشر الصور على «فيسبوك» و«تويتر» تعمل السوشيال ميديا كعدسات مكبرة اجتماعيا فتضخم التفاصيل وتسمح بتظهير هويات القاتل والضحية بحيث تضاعف من تأويلاتها.. السوشيال ميديا تضخم المعلومة وتضخم المشاعر وحتما تضخم العنف وتعممه.. كأننا في مقهى عام حيث كل شيء هادئ والجميع منشغل بأحاديث هادئة خاصة لكن فجأة يلكم شخص شخصا آخر وبسرعة تتحول الساحات إلى حلقات ملاكمة يتورط فيها الجميع.. وسائل التواصل الاجتماعي تضخم اللكمة الأولى واللكمة الأولى في هذه الحالة هي نسبة الجريمة إلى أنها مسلم قتل مسيحيا وفي حالات كثيرة أخرى هي سني قتل شيعيا أو بالعكس أو عربي قتل كرديا أو بالعكس.. وحتى لا ننشغل بالراهن وننسى ما كنا عليه قبل السوشيال ميديا، لا مناص من استذكار كيف كنا وما زلنا نعيش في مجتمعاتنا وسط حواجز لا مرئية تفصل داخل بلادنا بين جماعات تعيش في مكان واحد. من منا لا يعرف فردا واحدا على الأقل في أسرته يجاهر بكراهية آخر من دين أو مذهب أو عرق أو جنسية بصيغة واضحة.. نظم التعليم وأدبيات السياسة والثقافة الدينية والعامة جميعها عندنا تزرع الكراهية.. ثقافة العنصرية سابقة على السوشيال ميديا التي لم تفعل سوى أن صفعتنا وظهرت لنا ما لم يعد بالإمكان احتماله وتجاهله..