كنت قد عقدت العزم على أخذ إجازة شتوية لبضعة أيام أهم بند فيها ألا يتخللها مطالعة أخبار الصباح ولا الوقوف على ما يدونه مستخدمو الشبكة العنكبوتية من ردود فعل تجاه الأحداث الدامية التي تعصف بالمنطقة.. ارتشفت قهوتي وارتديت جل ما تحويه خزانتي من معاطف صوفية لأصمد أمام موجة برد غاضبة تأرجحت بين ال30-35 تحت الصفر .. وصلت للمكتبة العامة وبعد غربلة الخيارات خرجت بمجموعة من الأفلام الوثائقية علها تؤنس وحشتي في شتاء لا يعرف الرحمة وحين هممت بالخروج استوقفني التفاف سيدات شرق أوسطيات حول شابة تحمل هاتفها الخليوي وكأنها تخبرهن بخطب عظيم حصل للتو .. وما هي إلا لحظات حتى سمعنا عبارات مقتطعة نورث كارولاينا – ثلاثة طلاب قتلى- لم تتضح الصورة بعد لكن الحد اليسير الذي وصلنا كان كافيا لإثارة فضول ممتزج بالهلع.. هنا قررت إلغاء العزلة المؤقتة والتنقل بين محطات التلفزة فحدث كهذا لا يمر مرور الكرام لكن خيبة الأمل اعتلت محياي لم يرد الخبر ولا حتى أخيرا ضمن عناوين النشرة في المقابل كان تويتر مشتعلا تحت اسم #ChapelHillShooting تداول المغردون تفاصيل الحادثة مدعمة بصورة من حفل زفاف المغدورين ضياء بركات وزوجته يسر محمد أبو صالحة وصورة أخرى ثلاثية في تخرج رزان أبوصالحة .. أمام الضغط الشعبي عبر مواقع التواصل الإجتماعي ورفع لافتات تضامنية من فلسطين وسوريا وسائر الأقطار وجدت القنوات الأمريكية ذاتها في حرج فبدأت في تضمين الخبر لنشراتها بعد 12 ساعة من الواقعة لكن غضبا جامحا اجتاح الجالية الإسلامية في أمريكا لتحجيم الجريمة الشنيعة والتعذر بحجة واهية مفادها خلافات سابقة على مواقف السيارات تلاه تعليق ساخر من مذيعة قناة سي بي اس ديبورا نورفيل والتي دعت المشاهدين للإستفادة من تقرير يعين على اختيار مواقف للسيارات لتفادي الشجار .. أمام الصمت المطبق والمعاكس للتغطية المنفردة للهجوم على صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية والتي شهدت تنافسا بين القنوات الإخبارية الأمريكية في التحليل والعودة لأرشيف الهجمات الإرهابية والوقوف مطولا على مسبباته شعر المسلمون في أمريكا بتفاقم الوجع عمل إرهابي ينال أبرياء ولا يلقى حقه من الإهتمام مقابل حوادث أخرى أدانها البيت الأبيض على الفور وصاحبها زيارة الرئيس باراك أوباما لنقل تعزياته كما حصل في زيارته لبلدة نيوتاون بولاية كونيتيكت لمواساة أهلها عقب مقتل 28 شخص على يد مسلح اقتحم مدرسة ساندي هوك الإبتدائية .. لم تنتظر الجالية الإسلامية مطولا فهبت المراكز الإسلامية على إمتداد الولايات بإرسال دعوات لإقامة تأبين للضحايا وتشاركت المساجد بعنونة خطبة الجمعة ب"جريمة تشابيل هيل" لتسليط الضوء على جرائم الكراهية والإشادة بإسهامات الضحايا الخيرة داخل وخارج المجتمع الأمريكي لم يقتصر الحضور على المسلمين إنما كانت تجمهرة لشتى الطوائف .. وهنا أود توجيه شكر خاص لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية ممثلة بمديرها التنفيذي الأستاذ نهاد عوض والذي يحمل على عاتقه إبراز نشاطات الجالية الإسلامية في المجتمع الأمريكي والتصدي لحملات الإسلاموفوبيا والتي إنتعشت عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر كذلك لا يفوتني شكر المؤتمر الإسلامي السنوي المنظم من قبل مؤسستي ماس وإكنا وهو المحفل الإسلامي الأكبر على مستوى أمريكا الشمالية وتحمل دوما مفكرين وعلماء وساسة من مختلف الجنسيات والأديان وتجتذب الجمهور الأمريكي لما عرف عن البرنامج من الوسطية وتنوع المواد المقدمة طوال أيام المؤتمر. ويبقى السؤال هل المسلمون في الغرب على أعتاب حقبة مظلمة جديدة تضاهي ال11 من سبتمبر ؟
بالفعل كيل بمكيالين حان الوقت لتوحد المسلمين الأمريكان