أظهر تقرير أن فرص بقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد في سدة الحكم أكبر بكثير من أي وقت آخر خلال الأربعة سنوات الأخيرة، بالرغم من أن هذا يعني عدم بقاء سوريا موحدة. ونسب التقرير الصحفي الذي أعدته وكالة رويترز اليوم الفضل في تعزيز وضع الأسد على الأرض إلى حلفاءه في كل من موسكو وطهران، اللذان يقدمان دعم لحليفهم لا يماثله دعم الغرب للمعارضة السورية المعتدلة. وأشار التقرير إلى خصوم الأسد الغربيين الذين كانوا يدعون لرحيله حولوا انتباههم إلى محاربة تنظيم الدولة الإسلامية الذي يسيطر على مساحات شاسعة من أراضي سوريا والعراق. وبحيب التقرير فإنه يتم ابلاغ الأسد بالضربات الجوية التي يشنها التحالف في سوريا عبر أطراف ثالثة بما فيها العراق. ولكن هناك إنعدام عميق للثقة حيث يرى معارضو الاسد أنه إستغل موضوع التهديد الذي يمثله تنظيم الدولة الاسلامية لصالحه. وحتى بعض معارضي الأسد أبدوا مرونة في مسألة توقيت رحيله في المرحلة الانتقالية التي يأملون ان تنهي حكمه. ويبدو أن الاسد يراهن على ان الحملة ضد تنظيم الدولة الاسلامية ستجبر في نهاية المطاف الولايات المتحدة على فتح قنوات إتصال معه خاصة وأن القوات العراقية تستعد لاستعادة الموصل. وقال مسؤول غربي "لا مفر من فكرة ان سوريا مع الأسد في سدة الحكم لن تكون موحدة. هو لا يستطيع إعادة توحيد سوريا. ولو تراجعنا فهذا لن يحل المشكلة." وصار ظهور الأسد الاعلامي الذي كان يعد حدثا إخباريا حيث توجد يوميا الآن أخبار عن لقاءاته. ومن ضمن الوفود التي زارته مؤخرا أربعة نواب فرنسيين خالفوا سياسة حكومتهم. وفي الوقت نفسه خاض الأسد بثقة عالية حملة من نوع آخر حيث أجرى خمس مقابلات منذ ديسمبر كانون الاول. وكانت ثلاث منها مع وسائل إعلامية مقراتها في الدول الغربية الأكثر معارضة لحكمه وهي فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة. ولا تبدو أن محاولته تلك ستضع حدا لعزله في دول الغرب وأعدائه العرب. وتقول تقارير الامم المتحدة أن الجيش استخدم العنف بما في ذلك استخدام البراميل المتفجرة. وكثيرا يصفه المسؤولون الامريكيون بأنه القائد الذي يستخدم الغاز ضد شعبه وهي تهمة تنفيها الحكومة السورية. ويستبعد المسؤولون الغربيون فكرة إعادة طرح الأسد كشريك في القتال ضد الدولة الإسلامية. وهم يأملون أن تصل إيران وروسيا أبرز حلفاء الاسد إلى الخلاصة نفسها في وقت أدى فيه الانخفاض الحاد في سعر النفط إلى زيادة عبء الاقتصاد السوري المدمر. لكن لا يبدو هناك أي علامة على تحول موقف طهران أو موسكو تجاه قائد أصبح جزءا من الصراع بين المملكة العربية السعودية السنية من جهة والجمهورية الإسلامية الإيرانية الشيعية من جهة اخرى والولايات المتحدة وروسيا من طرف آخر. ويؤكد التقرير من ناحية أخرى على أن الحرب أضعفت الأسد لكنه لا يزال أقوى من المجموعات التي تقاتل من أجل الاطاحة به. ففي حين أن الولايات المتحدة واعداءه العرب يقصفون المسلحين المتشددين في الشمال والشرق شن الأسد وحلفاؤه هجوما كبيرا في منطقة أكثر أهمية لهم وهي منطقة الحدود الجنوبية بالقرب من إسرائيل والاردن. ويبدو أن التزام إيران تجاه الأسد يتعمق مع إقتراب ذروة المباحثات مع الولايات المتحدة بشأن الإتفاق النووي. وقال مسؤول رفيع في الشرق الاوسط على اطلاع بالسياسة السورية والإيرانية "الإيرانيون ما زالوا يعتبرون الأسد الرجل الاول." وأضاف المسؤول الذي فضل عدم الكشف عن هويته لأن تقييمه استند إلى محادثات خاصة "أن الأسد نقطة الارتكاز في علاقتهم مع سوريا" ويشكل الدور البارز الذي لعبه حزب الله اللبناني المدعوم من إيران في المعركة بالجنوب أحدث مثال على عزم حلفاء الاسد الوقوف الى جانبه. كما أن المستشارين الإيرانيين على أرض المعركة وهذا ما يتماشى مع الوضع في العراق حيث يساعد الإيرانيون في الاشراف على العمليات ضد تنظيم الدولة الاسلامية. وقال المسؤول "النظام سيبقى منشغلا وستبقى الخروقات هنا وهناك.المعركة في سوريا ما زالت طويلة جدا لكن من دون تهديدات وجودية على النظام" ويقدر الآن عدد القتلى بحوالي 200 ألف شخص إضافة إلى تشريد ما يقرب من نصف السكان وفقا لأرقام الأمم المتحدة ووصفها رئيس وكالة الأمم المتحدة للاجئين بأنها أسوأ أزمة إنسانية في هذا العصر. وقد تقلصت سيطرة الدولة لكن لا تزال تدير المناطق الأكثر اكتظاظا بالسكان. وينقسم الباقي بين المسلحين السنة المتشددين ومقاتلين آخرين والأكراد الذين ظهروا كشريك مهم في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد الدولة الاسلامية. ومني الجيش السوري والقوات المتحالفة معه بخسائر كبيرة في العام الماضي. وحتى مع القوات الجوية فان الجيش لم يستطع توجيه ضربة قاضية للمسلحين في بعض المعارك المهمة مثل حلب. وقد صد المسلحون هجوم الجيش الاخير الذي كان يهدف الى تطويق اجزاء يسيطر عليها المقاتلون في حلب. ووفقا للمرصد السوري لحقوق الانسان فان 150 جنديا على الاقل قتلوا من الجيش والقوات المتحالفة معه في هذه العملية. ولكن لا حلب ولا أجزاء من البلاد التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية في الشرق تهم الاسد بقدر أهميته بالممر الارضي الذي يمتد من دمشق الى الشمال عبر مدينتي حمص وحماة ومن ثم غربا الى الساحل. والمعركة لسحق المسلحين التي تمتد من دمشق الى الجنوب الى الحدود مع الاردن واسرائيل من شأنها القضاء على واحدة من آخر التهديدات الكبيرة لحكم الاسد في حال فوز الجيش وحلفائه. وفي حال قررت الولايات المتحدة وحلفاؤها العرب زيادة الضغط على الاسد فانها يمكن ان تزيد الدعم العسكري لما تسميه "المعارضة المعتدلة" في الجنوب عبر الاردن. وبالنسبة للاسد فإن استعادة الجنوب تقضي على ذلك الخطر وهو ما من شأنه أيضا ان يحافظ على الحدود مع اسرائيل وهذا هو احد الاعتبارات الكبيرة لكل من دمشق وحزب الله وايران الذين سعوا الى بناء مشروعية شعبية استنادا الى الصراع مع اسرائيل. وفي دمشق فان المراقبين يرون ان الحملة الجنوبية تشكل بداية هجوم استراتيجي مضاد من شأنه انهاء الحرب بشروط الحكومة. وقال سليم حربا الباحث والخبير في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية السورية "بدأ الآن ما يسمى بالهجوم المعاكس الاستراتيجي على أكثر من اتجاه لتطهير وتحرير كل المناطق التي تتواجد فيها المجموعات الارهابية." اضاف ان عملية الجنوب "تعتبر تحولا نوعيا في اطار الحرب". وقال محمد كنايسي رئيس تحرير صحيفة البعث التي تديرها الدولة في مقابلة اجريت معه مؤخرا في مكتبه بدمشق "الظروف الموضوعية والتطورات في المنطقة تدعو الى تغيير الموقف الامريكي لكن المشكلة أن امريكا لا تغير بالسرعة المطلوبة لا زالت تلعب على أكثر من حبل". وفكرة الانتصار العسكري تتعارض مع الرأي السائد على نطاق واسع بان الحرب يمكن فقط ان تنتهي بتسوية سياسية. فالجهود الدبلوماسية الرامية الى تعزيز مثل هذه النتيجة لم تستطع ان تحقق شيئا منذ انهيار محادثات جنيف للسلام عام 2014. ويبحث مسؤولون غربيون عن سبل لدعم ما يسمونه "معارضة معتدلة" لتقويتها في أي مفاوضات مستقبلية. والولايات المتحدة على وشك البدء بتقديم التدريب والعتاد للمسلحين لمحاربة الدولة الاسلامية. ولكن لا يبدو أن حجم وهدف البرنامج سيغير من موازين القوى.