لا تعد مهمة التغيير سهلة أبدا على المستوى الفردي خاصة، بما أنه يتطلب كثيرا من الاجتهاد والعمل الشاق لتغيير عدد من العادات، فماذا لو أراد بلد ما أن يتغير؟ وعلاوة على ذلك، ماذا لو كان الناس في ذلك البلد مترددين في التغيير؟ هذا هو واقع السعودية اليوم.
صحيفة The National أوردت في هذا السياق تقريرا للباحثة السعودية إيمان الحسين ترجمته عنها الرياض بوست أكدت فيه، أن المنظور الأوروبي والغربي لعملية التغيير في السعودية، بعيدا جدا عن الواقعية في تحليل الوضع، حيث يفترض هذا التحليل أن التغيير في المملكة هو مطلب مواطني يطالب به السعوديون لذلك يجب على الحكومة السعودية أن تستجيب لهذه الدعوة و التوجه .
كما يفترض المنظور الغربي الخاطئ لعملية التغيير في السعودية أن السعوديين هم في الغالب ليبراليون، محاصرون في بيئة محافظة، كما يعتقد هؤلاء أن إتباع نهج من أعلى إلى أسفل في عملية التغيير هو السبيل الوحيد للمضي قدما. وهو المنظور والتحليل الذي تؤكد الباحثة السعودية بأن المطلعين على واقع المجتمع السعودي يعرفون بأنه بعيدا جدا عن الواقع لا بل يخالفه تماما.
وتشير الحسين "بصفتي امرأة سعودية، فإنني عادة ما أميل إلى التغيير، ومع ذلك، عندما أدرس الوضع في البلد من منظور موضوعي، أدرك أن الأمر ليس سهلا كما يبدو. وسواء كنا نحب ذلك أم لا، يبدو أن غالبية السعوديين مترددون أو يعارضون للتغيير، ولا سيما التغيير المتعلق بحالة المرأة في البلد."
وتضيف الباحثة السعودية أن بعض السعوديين الذين لا يخجلون من وصف أنفسهم بأنهم ليبراليون، يتناسون أن المبدأ الأساسي للليبرالية هو الفردية، التي تتعارض مع القيم التي تحكم المجتمع القائم على الأسرة والقبيلة لا على الحرية الفردية.
كما لا يمكن تجاهل وتغافل أن هناك جزء كبير من السكان السعوديين الذين لا يعتبرون أنفسهم متحررين أو محافظين، هم غير مرتاحون للمطالب الليبرالية، ولكنهم يرون أيضا أن بعض القيم المحافظة عفا عليها الزمن. ومع ذلك، فإنهم أكثر تشبثا بضرورة الحفاظ على الوضع الثقافي القائم في البلاد، معتقدين أن التغيير قد يجلب الفجور والفوضى وفق الباحثة السعودية .
حقائق وواقع يحكم المجتمع السعودي، يدركها صناع القرار في المملكة العربية السعودية حيث أكد ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" في نيسان / ابريل الماضي أنه يشعر بالقلق ازاء استعداد الشعب للتغيير، قائلا : "الشيء الأكثر أهمية هو أن الشعب السعودي غير مقتنع، وإذا كان الشعب السعودي مقتنعا، فإن السماء ستكون هي الحد الأقصى لعملية التغيير ".
و في سياق متصل تؤكد الحسين أن الأمير الشاب يختبر رغبة السكان من خلال اقتراح مشروع البحر الأحمر، وهو خطة طموحة لتحويل الساحل السعودي إلى منتجعات بحرية فخمة، فقد أحدث المشروع بالفعل نقاشا ساخنا حول منصات النقاش المفضلة في السعودية، وهو موقع تويتر.
وقد أنتج مشروع البحر الأحمر ثلاثة ردود رئيسية، كان بعضها إيجابيا ومتفائلا، بحجة أن المشروع سيفيد الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المملكة العربية السعودية. فيما كتن كان الردان الآخران حاسمين، حيث يذهب أولهما إلى أن المشروع سيتيح للمرأة ارتداء ملابس السباحة، خاصة وأن المنتجع سيكون في منطقة "شبه مستقلة" من شأنها رفع المعايير المحافظة المتبعة في بقية أنحاء البلاد، لذلك فهم يشعرون بالقلق من أن هذه القوانين المريحة ستجد حتما طريقهم إلى المجتمع السعودي.
وهذه الفئة وفق الحسين ، هم المحافظون الذين ما زالوا يشعرون بخيبة أمل من كبح الحكومة لنفوذ الشرطة الدينية العام الماضي.
أما المجموعة الثانية فتعتقد أن النهج المتساهل والمريح يمنح دائما للأجانب، وليس للسكان السعوديين على نطاق الأوسع، حيث يقولون أن المجمع السكني لشركة الزيت العربية السعودية في المنطقة الشرقية سمح للأجانب بالعيش بشكل طبيعي، وللنساء لقيادة السيارات دون قيود. وترى هذه المجموعة أنه ينبغي تنفيذ التغيير في جميع أنحاء البلد، وينبغي أن يستهدف على وجه التحديد وضع المرأة بوصفه حجر الزاوية في تحقيق رؤية البلد لعام 2030.
و تختم الباحثة السعودية بالتأكيد بأنه و لحسن الحظ، فإن بناء المرحلة الأولى من المشروع لن يبدأ حتى عام 2019، مما يتيح الوقت لإقناع الفئة المترددة من المجتمع السعودي فيما تواصل الحكومة الكشف باستمرار عن مشاريع جديدة واختبار السكان ، بمهارة وذكاء كبير ، في الوقت الذي من المنتظر أن تساعد فيه غالبية الشباب في السعودية على تغيير المعادلة.