نضارة المجتمع وتطوره هو انعكاس حقيقي لانتظامه ونظامه والقوانين هي العمود الفقري التي تجعلنا قادرين على المضي قدماً في حركة مضبوطة ومحسوبة، إن النضارة التي نراها في بعض المجتمعات هي نتيجة العناية بقوانين تضبط حال الأسرة، تلك القوانين تكون في الغالب نتاج ثقافة ذلك البلد، وتقنينها، والعناية بتفاصيلها وإعطاء أعضاء الأسرة كامل حقوقهم على قدم المساواة في الجزاء والعقاب، جزء ضروري ينم عن نضوج ذلك المجتمع. المجتمع السعودي مجتمع شاب، والأسرة والعائلة لها مكانة وقيمة مميزة في النظام الاجتماعي كأي مجتمع شرقي. تتسم العائلة السعودية بعدد أعضائها الذين في الغالب يتعدون أصابع اليد الواحدة، وهذا يجعل الدولة أمام استحقاقٍ مهمٍ ودقيق من جهة توفير الحماية لهؤلاء الأعضاء، والعمل على حقوقهم والحفاظ عليها ورعايتهم وصيانة مصالحهم. قفز مجتمعنا وخطا بسرعة، وتغيّر بشكل كبير، يشعر به أكثر من غيرهم من أعمارهم فوق 50 عاماً، والذين يتحدثون عن ذكريات مجتمع بسيط قبل حوالي 40 عاماً. في عام 1407ه صدر نظام الأحوال المدنية، كان عدد سكان المملكة وقتها حوالي 10 ملايين نسمة، اليوم نحن على مشارف عام 1437ه، وقد أصبح عدد السعوديين 20 مليون نسمة، 70% منهم تحت 30 عاماً، هذه الأرقام ببساطة تضعنا أمام مسؤولية كبيرة من أجل ضبط حركة المجتمع الذي ينمو بسرعة تصل 2.1% في السنة، ولا شك أننا بحاجة اليوم أن ندفع بتغيير على مستوى القوانين الاجتماعية التي من شأنها دعم استقرار الأسرة ونموها في بيئة سليمة وتحصينها من المؤثرات التي أصبحت تخترق أجواءنا دون إذن أو سبب. تقدم أعضاء من مجلس الشورى الأميرة سارة الفيصل و د.هيا المنيع و د. ناصر بن داود و د. لطيفة الشعلان، بمشروع يقترح تعديل بعض مواد نظام الأحوال المدنية معللين لذلك عدة أسباب استعراضها يشير إلى بعض الثغرات التي تشوب القانون الصادر في 1407ه، والذي ربما كان يتناسب مع حال البلاد آن ذاك من جهة التركيبة السكانية والحالة المعرفية والمجتمعية، ودواعي تقديم المشروع يتضح من خلالها أنها جاءت لتعالج بعض المشاكل التي يبدو أنها تطرق أبواب الجهات الحقوقية والأمنية بشدة، واضعة المشرعين أمام لحظة يستوجب معها تقديم حلول من شأنها التخفيف من واقع تلك المشكلات، التي لا يقف تأثيرها على الأسرة بمعناها الضيق بل يشمل المجتمع بشكل عام، فمن صالح وواجب الدولة أن تحرص على أن يعيش جميع أفراد الأسرة في جو صحي وبيئة ملائمة، ومعرفة كاملة بحقوقها، لطالما سمعنا بقصص تطالعنا بها وسائل الإعلام عن عائلات هجرها رب الأسرة إلى مكان غير معلوم مخلفاً وراءه أطفالاً يعانون وأماً حائرة تعاني الأمرين، إن تمكين الأب والأم بإعطائهما ذات الحقوق بتبليغ الولادة على سبيل المثال، وأمور أخرى، سيحد في الغالب من الاستهتار بالعائلة كرمز لقيمة المجتمع وسيضع الجميع أمام مسؤولية صون كرامة تلك الأسرة، ويحصنها ويزيد من قوتها وازدهارها. الأسرة هي نواة المجتمع، ومكونه الأساسي، وبذرته الأولى، التي إن لم يقدم لها من العناية ما يكفي ويلبي حاجتها، فإننا موعودون بمجتمع غير منتظم، ومشوه الملامح تتقاذفه الأهواء، ويستغله ضعاف النفوس.