البحث في جذور الإرهاب يدفعنا دوماً لعامل التنشئة كمحدد رئيسي في صياغة شخصية الفرد وتحديد توجهه وطريقة سلوكه وتفكيره والبحث في السبل التي دفعت الشخص لاختيار التطرف والتشدد طريقاً له، وبالتالي إيجاد المخرج والمبرر لارتكاب أفعال إجرامية وإرهابية. فرضَ شكل الحياة العصرية والسريعة وما لحقها تغيراً كبيراً على هيكل الأسرة وهيئتها، وتحولَ مفهوم الأسرة إلى مفهوم رمزي أكثر من كونه موجوداً بشكل محسوس، فالأسر التي انغمست في مقتضيات الحياة التي تسومها مفاهيم اللحاق بمغريات العصر وتحسين مستوى المعيشة أدى ذلك إلى تخليها عن مسؤولياتها الاجتماعية والانصراف عنها، لتستحيل هذه النماذج إلى عائلات متشظية ومتفرقة وغافلة، فالأب والأم قد انصرفا إلى اهتماماتهم الشخصية وتحقيق ذاتهم، ويتفاجأ الوالدان باختفاء أحد أبنائهم وتزداد علامات تعجبهم واستغرابهم عندما يصل إلى مسامعهم أن ابنهم قد قُبض عليه بسبب انتمائه لمنظمة إرهابية أو أن ابنهم قد التحق وانخرط في ساحات القتال في البؤر الساخنة في الشرق الأوسط في سورية أو العراق.. تأثير الأسرة في ضبط فكر أبنائها والقرب منهم والاستماع لهم ولهمومهم هو حائط الصد الأول في وجه الأفكار المتطرفة ومروجيها، إذ بقدر ما كان هذا الحائط متيناً وقوياً وعالياً بقدر ما تزداد مناعة وأمن هذا الابن أو البنت وانعكاس ذلك سلاماً واستقراراً على العائلة والمجتمع والوطن بأكمله. لقد أثار موضوع التحاق الغربيين ب»داعش» والتنظميات المتطرفة ذهن الباحثين هناك. وقد توصلت دراسة معمقة أعدتها الجهات الأمنية في هولندا حيث يتواجد في سورية والعراق حوالي 180 مقاتلاً هولندياً، أن أغلب الذين يجذبهم التطرف يسكنون في مناطق فقيرة ومهمشة وينحدرون من أسر تعاني مشاكل مادية واجتماعية مثل الفقر والطلاق والتفكك الأسري. يتيح ترابط العائلة وتماسكها والاتفاق خاصة في الأسر التي وقع فيها انفصال بين الأب والأم على رعاية محصلة زواجهم من الأبناء والتعهد برعايتهم، يتيح ذلك معرفتهم وتنبؤهم بأفكار أبنائهم ومعرفة المؤثرين في حياتهم الذين كانوا في السابق هم أبناء الحي ليصبحوا الآن أبناء «القرية العالمية» القاطنين في «تويتر» و»الفيس بوك»، ويلحق في دائرة التأثير على الأبناء المدرسة والمسجد، ففي هذه العناصر من يحاول أن يستغل مكامن الضعف في العائلة وتخلفها في رعاية أبنائها، ليجذبوهم نحو بيئات يوهمونهم فيها بأهميتهم وقوتهم ويشعرونهم بشخصيتهم وقدرتهم على اتخاذ القرار. إن دور مؤسسة الأسرة في مكافحة الإرهاب لا يقل أبداً عن دور المؤسسة الأمنية بل هو دور أساسي ومكمل لها، وبقدر ما تكون العائلة متنبهة لأفرادها بقدر ما توفر العناء والمشقة على نفسها وعلى المجتمع والقائمين على رعاية أمنه.